اعتقال الأسرى سنوات طويلة خلف القضبان يخلق حالة من اختصار أعمار أطفالهم، الذين يترعرعوا بعيداً عن آبائهم وطباعهم، فعيونهم لا تراهم إلا خلف القضبان، وكأن القدر ساقهم إلى الفراق القسري بتعمد من احتلال يقدمهم على محاكم عسكرية تصدر أحكاماً ردعية وانتقامية بحق الأباء.
شبيطة ونجله
المحرر شادي شبيطة من بلدة عزون شرق قلقيلية تحرر الخميس الماضي بعد 15 عاماً من الأسر، وعند اعتقاله ترك طفله إبراهيم بعمر أربعة أشهر ويعود اليوم من سجن النقب الصحراوي ليعانق نجله إبراهيم أول مرة في فضاء الحرية.
يقول المحرر شبيطة والسعادة تغمره:" اليوم أضم ابني إبراهيم لأول مرة احضنه وأعانقه واقضي ليلتي الأولى معه، لقد تركته رضيعاً واليوم شاباً يافعاً بعمر خمسة عشر عاماً من العذاب والفراق والحرمان، تمنيت خلالها أن أكون بجانب طفلي، إلا أن حكم الاحتلال قاسٍ وعنصريته فاقت كل إجرام، فهناك الكثير من الأسرى أمثالي يتمنون عناق أبنائهم وأحفادهم، فقصص السجون مليئة بالتراجيديا المحزنة التي لا تقدر الجبال على حملها ".
وتابع قائلاً:" البيوت المحرومة من هذه اللحظات التاريخية، في كل المناطق تسكنها مشاعر حزينة، وأتمنى لكل بيت فيه أسير أن يكون اللقاء به قريبا، فهي أوقات عسيرة وثقيلة تمر عليهم على مدار الساعة.
ويقول إبراهيم شبيطة نجل الأسير شادي شبيطة:" شعور لا يقدر أن احضن والدي وقد تركني طفلاً وأصبحت فتى يافعا يعرف والده من جديد ".
حور ومقداد
المربية أسماء حوتري زوجة الأسير رائد الحوتري الذي حكم بالسجن المؤبد المكرر 22 مرة واعتقل عام 2003م تقول :" زوجي ترك طفليه حور ومقداد بعمر العام ونصف والعامين ونصف واليوم مقداد سنة أولى في الجامعة وحو تستعد لامتحان التوجيهي ، وهذه الفترة اختزلت من أعمارهم بدون أن يكون والدهم بجانبهم ، فاعتقال الإباء وأطفالهم بعمر الشهور الأولى من أعمارهم يشكل مأساة نفسية لهم ، فلا يتعرفون عليهم إلا من خلال الصور ومن خلف الواح الزجاج، ويكون هناك فجوة يتعمد الاحتلال ترسيخها، إلا أن جبروت الأمهات والزوجات يقف حائلاً من ترسيخ الإحباط الذي يتمناه الاحتلال من خلال هذا الحرمان الطويل الذي ليس له سقف زمني".
ويرى المحرر القيادي نزيه أبو عون من بلدة جبع قضاء جنين، والذي أمضى ما يزيد عن العشرين عاماً في الأسر: “من يعيش في السجون فترات طويلة وخصوصا لدى الأسرى أصحاب الأحكام العالية والقدامى يتيقن أن الاحتلال قد ارتكب جريمة بكل ما تعنيه الكلمة، فهناك أسرى يتمنون أن يلمسوا يد طفل صغير ويقبلها، فهم لا يعرفون مثل هذه المظاهر الإنسانية، الذي يحرص الاحتلال على حرمانهم إياه بشكل متعمد ".
نماذج إنسانية
المحرر وليد الهودلي يقول ": السجون مليئة بنماذج إنسانية تطرق جدران الخزان بقوة، للتحرك فوراً، فالاحتلال يتغول بحق الأسرى في جميع الاتجاهات، ولو قدر تسجيل أفلام وثائقية عن سياسة الحرمان النفسي، لضج العالم من شدة ثقل هذه الإجراءات، وهذا يتطلب جهد جماعي، حتى يكون هناك رافعة للأسرى لإنقاذهم من سياسة الحرمان العنصرية والتي ينجم عنها غربة الإباء عن الأبناء والأحفاد، فساعة الحياة تتوقف لدى الأسير عند اللحظة التي اعتقل فيها، مع أن دورة الحياة لا تتوقف".