يأتي رمضانٌ آخرُ وأسرانا البواسل ما زالوا خلف قُضبانٍ تسلِبُ شيئاً من فرحتهم بقدومه وتحرِمهم من عيشِ لحظاتِ استقباله معَ أهاليهم وأطفالهِم الذين يرجُون عودتهم كي يُعلَّق هِلالٌ وفانوسٌ بأيديهم سوِياً.
وفي هذا الشهر الفضيل، يُحاول الأسرى خلقَ روحِ البهجةِ بينهم مُعلنينَ أن لا حدود للإرادة، كما يُكثِرونَ من رفعِ أدعيتهم المغلفةِ بالقهرِ والصبر والتوكل الدائم على الله.
يقول الأسير المحرر حسام حرب يبدأ الأسرى يومهم خلال شهر رمضان بتناول وجبة السحور، ثم يصلون الفجر مع بعضهم البعض، ثم ينامون لبعض من الوقت وعندما يستيقظون يحمل كل أسير مصحفه ويتوزعون لقراءة القرآن الكريم، حيث يختم كل أسير ما يقارب العشرة أجزاء يومياَ ومنهم من يجتهد لحفظ القرآن الكريم خلال هذا الشهر، كما وتنظم دورات في التلاوة والتجويد، ومسابقات دينية ووطنية، وجل وقتهم يكون في الذكر وتلاوة القرآن الكريم.
ويضيف حرب: مع اقتراب موعد الإفطار ينشط المسؤولون عن الطبخ بتحضير المائدة، ثم يتناولون الأسرى حبة من التمر ويشربون الشوربة ثم ينهضون لأداء صلاة المغرب، وبعده يتناولون وجبة الإفطار الرئيسية.
تضاعف معاناة الأسرى في رمضان
ورداً على سؤال يتعلق بما يعانيه الأسرى داخل الأسر خلال شهر رمضان، يشير حرب إلى أن المعاناة تكمل في الإجراءات التعسفية التي تمارسها إدارة السجون وخصوصاً التفتيش المستمر للغرف، كما وتحاول إدارة السجون تأخير الخروج إلى للفورة وقتما تشتد الحرارة وبالتالي يمتنع كثير من الأسرى عن الخروج، بالإضافة إلى أنه تعمل على إزالة العديد من أصناف المواد الغذائية من مقصف السجون الكانتينا، حيث سحبت منذ فترة ما يقارب 140 صنفاً من مشتريات الكانتينا، وهذا سيضاعف من معاناة الأسرى.
وبحسب حرب فأن معاناة الأسرى تتضاعف في شهر رمضان عند نقلهم في البوسطة، حيث أن ظروف النقل صعبة للغاية، من مشاق السفر الطويل وفي دخول الحمام وخصوصاً لكبار السن، عدا عن الأسرى الذين يعانون من شدة الحرارة داخلها خلال الصيف.
ويستردف المحرر حرب حديثه بالقول: المعاناة تتفاقم لدى الأسرى في رمضان نتيجة افتقارهم للأهل والاجتماع معهم على نفس المائدة، فيتذكرون ذكريات جمعتهم مع عائلتهم، وكيف هي عاداتهم في البيت خلال الشهر الفضيل، في المقابل كذلك هو حال عائلتهم الذين ينحرمون من الجلوس مع أبنائهم واحبابهم على مائدة الطعام خلال شهر رمضان، وكثير من العائلات تترك مكاناً لابنهم الأسير على المائدة، وهذا يفاقم المعاناة لدى الطرفين.
مرارة الفراق ولوعة الاشتياق
تبدأ والدة الأسيرة شاتيلا أبو عياد من القدس حديثها بعين دامعة وقلب يعتصر ألم على غياب ابنتها شاتيلا التي تقبع خلف القضبان منذ سنوات" لم نجلس يوماً على المائدة إلا وطيف شاتيلا يرافقني وهنا تتساقط الدموع من عيني وحينها أنظر إلى أبنائي الذين يكونوا ينتظرون الأذان وعندما يشاهدون دموعي تتساقط بغزارة تصيبهم حالة من الفتور وعدم الرغبة في تناول الإفطار."
تضييف أم عياد وهي تحاول أن تحمل في عيونها الدموع" أحاول أن أخفي دموعي وقت الإفطار ولكن لا أستطيع أن أتمالك نفسي، فكيف لي أن أتناول طعامي وابنتي بعيدة عني ولا اعرف ما هو حالها وماذا تأكل وتشرب".
تستطرد والدة الأسيرة شاتيلا حديثها بالقول" إن شعور الحزن واللوعة هو حال كل أم تتمنى أن يكون جميع أبنائها بجانبها."
وتضيف والدة الأسيرة: اتصلت بي شاتيلا قبل رمضان بيوم دخلت بحالة هستيريا عندما قالت لي يا أمي كيف حالك أنا شاتيلا، بدأت أصرخ على أولادي هذه شاتيلا، وكنت أمسك بالهاتف بشدة، لا أريد لاحد غيري أن يتكلم معها.