أسرى غزة حرية تُستعاد وصدى الجراح لا يزول
تقرير/ إعلام الأسرى

حين تفتح بوابة السجن، يطل الأسير إلى العالم الخارجي وكأن الحرية قد حانت، لكن الحقيقة أكثر قسوة مما تبدو. أجساد منهكة تحمل آثار التعذيب، عقول مثقلة بصور الموت البطيء، وقلوب لا تزال تنزف فقد الأحباء. هؤلاء الذين أمضوا أشهرًا أو سنوات خلف القضبان عاشوا الموت في كل لحظة، ورأوا أعز الناس يرحلون أمام أعينهم بلا رحمة. وكل لحظة حرية بعد ذلك كانت مزيجًا من الفرح والألم، من اللقاء والغياب، من الصرخة والصمت، من دموع اللقاء وذكريات الفقد.

ناجي وصالح الجعفراوي: فرحة الحرية ومأساة الفقد

فرحة عائلة الجعفراوي بالإفراج عن نجلها ناجي بعد عامين من الاعتقال تحولت إلى مأساة حين استشهد شقيقه الصحفي صالح. بين زغاريد الفرح ودموع الفقد، احتضن ناجي أولاده بعد غياب طويل، بينما كانت والدته تودع صالح إلى مثواه الأخير.

روى ناجي: "ما عشته في الأسر لا يوصف إلا بالموت البطيء… التجويع، التعذيب، العزل، الإذلال… كل يوم كان كأنه عام كامل".

وصالح، الصحفي الميداني (27 عامًا)، ترك بصوته وصوره وجع غزة للعالم، وكان يقول في آخر كلماته: "بدكم مليون سنة حتى تكسروا إرادة الشعب الفلسطيني، ومش رح تكسروها".

محمد وخليل البحطيطي: لقاء بعد الظن بالاستشهاد

محمد (21 عامًا) وخليل (18 عامًا) اعتُقلا أثناء ذهابهما لجلب المساعدات، وعاشا العزل والتعذيب النفسي والجسدي. لحظة الإفراج كانت مزيجًا من الصدمة والفرح: "الحمد لله الذي ردّنا لأهلنا بعد أن ظنّ الناس أننا في عداد الشهداء".

سائد المصري وعبد الحميد عليان: الحرية ثمنها الألم

بعد عامين من الاعتقال، وصف المصري الحرية بأنها "كنز لا يُعوّض"، وحكى عن حرمانهم من الطعام، النظافة، والاغتسال، ورؤية ثلاثة أسرى يموتون أمامه بسبب الإهمال الطبي.

وعليان: "كنا ننام على سرير حديدي بلا فرشة، معصوبي العينين طوال اليوم… لكن رؤية الناس يفرحون بحريتنا أنستنا الموت البطيء".

محمود أبو صلاح: تهديد بالقتل وفقدان الأمان

محمود، الذي اعتُقل في يوليو الماضي، روى: "قيدونا من الثالثة فجراً، هددوني بقتل أولادي وهدم بيتي… الكلاب تنام فوق ظهورنا طول الليل… والطعام لا يكفي للطفل".

مهند عواد: طفولة مسروقة

اعتقل مهند (16 عامًا) لشهرين وهو ذاهب لاستلام المساعدات، واتهم زورًا بالانتماء للجهاد الإسلامي، وعاش قهرًا نفسيًا شديدًا. فور الإفراج عنه ظل يبحث عن والده بين وجوه الناس، باحثًا عن الأمان بعد شهرين من الرعب.

منصور عاطف ريان: سنوات اعتقال متلاحقة وصدمة فقد

الأسير المحرر من نابلس والمبعد إلى غزة، منصور عاطف ريان، أمضى عامًا آخر في الأسر بعد سبعة عشر عامًا سابقة. يروي: "العامان الأخيران كانا الأصعب… تعذيب لا يتوقف، ضرب وإهانة مستمرة، كلاب شرسة، صعق بالكهرباء، والشبح وعمليات القمع اليومية".

ويضيف: "كنا نُمنع من الصلاة ورفع الأذان، والبطانيات تُعطى لأربع ساعات فقط، وبقية الوقت ننام على الأرض. كانوا يجبرون الأسرى على ضرب بعضهم بالأحذية لإذلالهم، وفي حال رفضنا يتم إدخال وحدة القمع. نُقلنا لقسم جديد دون معرفة بوجود صفقة الإفراج، وكنا نخشَى فشلها في أي لحظة".

وبعد وصوله إلى غزة، صدمه نبأ استشهاد نجله الأكبر عبادة قبل نحو أسبوع، كما تحدث عن ارتقاء الأسير أحمد إدريس داخل السجن بسبب الإهمال الطبي.

الزنازين: مقابر بلا صوت

⦁ غرف ضيقة، مظلمة، بلا أغطية، وأرض باردة.

⦁ طعام فاسد، مياه محدودة، ونظافة معدومة.

⦁ بطانيات لأربع ساعات يوميًا فقط، والنوم على الأرض الباقي.

⦁ حرمان من الصلاة والعبادة، وإجبار الأسرى على إذلال بعضهم بعضًا.

⦁ التعذيب المستمر: ضرب، صعق بالكهرباء، الشبح، التعذيب الجنسي، وإهانات لفظية وجسدية.

⦁ الأمراض الجلدية مثل "السكابيوس" انتشرت نتيجة حرمان الأسرى من أدوات النظافة.

⦁ الإهمال الطبي أدى لاستشهاد بعض الأسرى، وإصابة آخرين بإعاقة دائمة وأمراض مزمنة.

الحرية المرة: نصف أحياء بأجساد متعبة

بعض الأسرى خرجوا ليجدوا عائلاتهم مرتكبة الحرب، أو فقدوا أولادهم، أو كانوا قد أعدوا هدايا لهم داخل السجون.

آخرون خرجوا مبتوري الأطراف، وأصيبوا بأمراض مزمنة أو طالتهم آثار التعذيب النفسي.

أحمد الزيان وصف أيام سجنه بأنها "موت بطيء، مقاطع فيديو حية للعذاب".

أسير آخر حمل مسبحة مصنوعة من فتات الخبز، كرمز صغير للبقاء على قيد الحياة.

قصص الأسرى المحررين مرآة لمعاناة شعب بأكمله. الحرية جاءت، لكنها جاءت بأجساد منهكة وقلوب تنزف ذكريات الألم، لتبقى صرخة للعالم عن وحشية الاحتلال، وعن إرادة لا تنكسر، وعن شعب يصر على الحياة رغم كل القسوة. هؤلاء الأسرى لم يخرجوا مجرد أحياء، بل أبطالًا بحكاياتهم، بصمودهم، ودموعهم التي لا تُنسى.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020