على امتداد أكثر من ربع قرن يقف أربعة من أبرز أسرى القدس في مقدمة قائمة الحرمان حيث يرفض الاحتلال الإسرائيلي إدراج أسمائهم في أي صفقة تبادل منذ اعتقالهم، رغم مكانتهم النضالية ومراكمتهم لإنجازات علمية وأدبية داخل السجون.
يعيش هؤلاء الأسرى أكرم إبراهيم القواسمي، علاء الدين العباسي، رائد صالح أبو حمدية، وحسام عقل شحادة في عزلة شبه تامة عن العالم منذ بدء حرب الإبادة على غزة وسط انقطاع الزيارات وتفاقم الإهمال الطبي، واستمرار القمع والتنكيل في السجون.
هذا التقرير يجمع بين البعد الحقوقي والإنساني، موثقا معاناتهم وتجاربهم، ومسلطا الضوء على مسؤولية المؤسسات الدولية أمام هذه الحالات التي تعتبر من الأطول زمنا في الاعتقال.
أولاً: أكرم إبراهيم القواسمي… 30 عاما من العتمة والحرمان
العمر: 51 عاما
مكان السكن: القدس
تاريخ الاعتقال: 1996
الحكم: مؤبدان
مدة الاعتقال: أكثر من 30 عاما متواصلة
يعتبر الأسير المقدسي أكرم القواسمي أحد أبرز رموز الحركة الأسيرة، إذ تنقل بين السجون والعزل الانفرادي طوال ثلاثة عقود، دون أن يدرج اسمه في أي صفقة تبادل رغم قدم قضيته وطول محكوميته.
شارك القواسمي في عمليات الثأر المقدس عقب اغتيال المهندس يحيى عياش إلى جانب الأسير حسن سلامة والمحرر أيمن الرازم، وبتوجيه مباشر من القائد محمد الضيف. اعتقلته قوات الاحتلال بعد كمين محكم واتهمته بالضلوع في عمليات مؤلمة لها.
ورغم قسوة السجون واصل مسيرته العلمية داخل الأسر محققا إنجازات نوعية:
- شهادة الثانوية العامة مرتين.
- بكالوريوس في التاريخ والاجتماعيات
- ماجستير في الدراسات الإسرائيلية
- دكتوراه في الدراسات المقدسية
- كما ألّف سيرته الاعتقالية بعنوان فضاءات الثقوب عام 2022.
يمثل القواسمي نموذجا للأسير الذي حول سجنه إلى جامعة وحياته إلى مشروع مقاوم لا يشيخ.
ثانيا: رائد صالح أبو حمدية… أسير يقاوم الموت بصمت
العمر: 49 عاما
مكان السكن: القدس
تاريخ الاعتقال: 3/4/1997
الحكم: 4 مؤبدات
مدة الأسر: 28 عاما متواصلة
يقبع الأسير رائد أبو حمدية في عامه الثامن والعشرين داخل الأسر، محروما من إدراجه في أي صفقة تبادل منذ اعتقاله رغم تدهور حالته الصحية وحرمانه من العلاج.
اعتقل عام 1997 بعد كمين على حاجز عسكري وخضع لتحقيقٍ قاس قبل الحكم عليه بالمؤبدات الأربعة. وُجهت له تهم تتعلق بعمليات خلية صوريف القسامية، بينها خطف الجندي شارون أدري وعملية مقهى أبروبو التي يعتبرها الاحتلال من أبرز العمليات الموجعة في تاريخ الانتفاضة.
لم تمنعه سنوات السجن الطويلة من متابعة تعليمه، فأنهى الثانوية العامة داخل السجون، ثم حصل على بكالوريوس في العلوم الاجتماعية، وأصدر كتابا أدبيا بعنوان همسات من وحي المكان (2020)، يوثق فيه تجربته الاعتقالية.
ثالثا: حسام عقل شحادة… الصوت المقدسي الأسير ووجع الأم المنتظرة
العمر: 50 عاما
السكن: مخيم قلنديا – القدس
تاريخ الاعتقال: 17/2/2002
الحكم: 6 مؤبدات
المؤهل العلمي: بكالوريوس + ماجستير من داخل السجن
الأسير حسام عقل شحادة
من الأسرى الذين رفض الاحتلال إدراج أسمائهم في الصفقات رغم مرور أكثر من 22 عامًا على اعتقاله.
اتهمه الاحتلال بالانتماء لكتائب شهداء الأقصى بتوجيهات من القائد مروان البرغوثي، وتنفيذ عمليات إطلاق نار أدت إلى مقتل ستة مستوطنين.
اعتقل شحادة من داخل مستشفى تل هشومير حيث كان يعمل بعد تحقيق قاس وطويل قبل أن يصدر بحقه حكم بالمؤبد ست مرات.
تميز شحادة بإبداعه الأدبي، إذ يعد من شعراء الحركة الأسيرة، وأصدر عدة دواوين من خلف القضبان. غير أن عطائه الأدبي توقف منذ أكثر من عامين ونصف، مع بدء حالة الطوارئ بعد حرب الإبادة وسط ظروف قمع غير مسبوقة.
وأمام زنزانة حسام تقف أمه العجوز بوجع مختنق تعد الأيام وتنتظر خبرا لم يأتِ منذ سنوات طويلة.
رابعا: علاء الدين العباسي… آخر رجال خلية سلوان القسامية
العمر: 52 عاما
مكان السكن: سلوان – القدس
تاريخ الاعتقال: 17/8/2002
الحكم: 60 عاما
الصفة النضالية: آخر أفراد خلية سلوان القسامية داخل الأسر
لا يزال الأسير علاء الدين العباسي آخر رجال خلية سلوان القسامية الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال خلال انتفاضة الأقصى.
بينما خرج رفاقه في صفقة الأحرار (2011)، بقي العباسي خلف القضبان رغم مرور أكثر من 22 عاما على اعتقاله.
اتهمه الاحتلال بالانضمام إلى كتائب القسام عام 2001 والمشاركة في عمليات فدائية اعتبرت من أخطر ما واجهه خلال تلك المرحلة.
ورغم قسوة العزل والاعتقال حقق العباسي عدة إنجازات داخل السجون:
- أكمل دراسة البكالوريوس
- أتقن اللغة العبرية
- تعلم تجويد القرآن وأصبح معلماً للتلاوة
- فقد العباسي والده عام 2017 دون أن يتمكن من وداعه، ويكبر أبناؤه الثلاثة بعيدا عنه، محرومين من الزيارة منذ إعلان حالة الطوارئ بعد حرب الإبادة على غزة.
انتهاك المعايير القانونية في معاملة الأسرى
تظهر حالات الأسرى الأربعة نمطا ممنهجا من الانتهاكات التي تتعارض بوضوح مع القوانين الدولية، وتحديدا اتفاقيات جنيف الرابعة والقواعد النموذجية لمعاملة السجناء (قواعد مانديلا)، ما يؤكد وجود سياسة إسرائيلية متعمدة تقوم على الانتقام والإقصاء وليس على تطبيق العدالة.
1. الاستثناء السياسي من صفقات التبادل
يرفض الاحتلال إدراج أسماء هؤلاء الأسرى في صفقات التبادل رغم قدم قضاياهم وطول محكومياتهم، في مخالفة صريحة لمبدأ عدم التمييز الوارد في القانون الدولي الإنساني، والذي ينص على أن الحرية أو إعادة الإدماج لا ينبغي أن تبنى على اعتبارات سياسية أو مناطقية. ورغم أن الأسرى المقدسيين يتمتعون بالحماية نفسها التي تكفلها اتفاقيات جنيف، إلا أن الاحتلال يتعامل معهم باعتبارهم ملفا خاصا ما يجعل قرار استثنائهم عقوبة جماعية لا سند قانوني لها.
2. الإهمال الطبي والحرمان من الرعاية الصحية
يعاني بعضهم من أمراض مزمنة دون توفير علاج مناسب، في خرق واضح للمادة (91) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تُلزم قوة الاحتلال بتوفير الرعاية الصحية للسجناء دون تأخير، وللمادة (22) من قواعد مانديلا التي تضمن الحق في العلاج المتكافئ.
ما يتعرض له الأسرى يدخل ضمن إطار الإهمال الطبي المتعمد المحظور بموجب القانون الدولي.
3. العزل والانقطاع عن العالم الخارجي
منذ حرب الإبادة على غزة، فرضت على هؤلاء الأسرى عزلة شبه كاملة، مع حرمان من الزيارات وعرقلة وصول المحامين، ما يشكل انتهاكا للمادتين (104 و116) من اتفاقية جنيف الرابعة، ولحق السجين في التواصل مع العالم الخارجي باعتباره جزءا من الحد الأدنى من الضمانات الإنسانية.
4. التحقيق القاسي والمعاملة المهينة
تعرض معظمهم لتحقيقات مطوّلة صاحبها تعذيب نفسي وجسدي، وهو ما يشكل مخالفة صارخة للمادة (3) المشتركة لاتفاقيات جنيف التي تحظر التعذيب والمعاملة القاسية دون أي استثناء.
يمثل أكرم القواسمي، رائد أبو حمدية، حسام شحادة، وعلاء الدين العباسي ذاكرة مقدسية صلبة دفعت ثمنا باهظا من أعمارها دفاعا عن حرية شعبها. لكن هذه الذاكرة اليوم مهددة بالخطر، بفعل الإهمال الطبي، والعزل، وغياب الرقابة الدولية ما يستوجب تحركا عاجلا من المؤسسات الحقوقية والإنسانية لإنقاذ حياتهم ومساءلة الاحتلال على انتهاكاته المتواصلة بحق الأسرى الفلسطينيين.
إن صمت العالم أمام معاناتهم المستمرة منذ عقود هو في جوهره استمرار لسياسة القمع، ودعوة مفتوحة لقتل بطيء يجري خلف الجدران.