تتوسد والدته فراش الشوق انتظارًا لحريته منذ أكثر من عقدين، ولا تزال تعدّ الأيام على أمل سماع خبر يطمئن قلبها. تقاوم الأمراض التي غزت جسدها، وتصارع أنفاسًا متقطعة ترى فيها طيفه حاضرًا في البيت، فتتشبث بالأمل من جديد. أمّا هو، ففي جحيم السجون بما تحمله من انتهاكات وتنكيل وتجويع وحرمان، لا يزال يستعين بصبرها وقوتها ليواجه سنوات السجن الطويلة، منتظرًا أن تفتح أبواب اللقاء معها على أحرّ من الجمر.
مكتب إعلام الأسرى تواصل مع شقيق الأسير حسام عقل شحادة (50 عامًا) من سكان مخيم قلنديا في القدس المحتلة، للحديث عن ظروف اعتقاله ومسيرته النضالية خلف القضبان، كأحد أبرز الشبان الذين انخرطوا في خلايا مقدسية تشكلت دفاعًا عن القدس ورفضًا لانتهاكات الاحتلال بحقها. ويشير المكتب إلى أن الاحتلال لا يزال، حتى اليوم، يغلق أبواب سجونه على أربعة أسرى مقدسيين من أصحاب الأحكام المؤبدة والعالية، رفض إدراج أسمائهم في أي صفقة تبادل، وحرَمهم طعم الحرية، وهم: الأسير أكرم القواسمي، وعلاء الدين العباسي، ورائد أبو حمدية، والأسير حسام شحادة.
تكافح والدة شحادة المرض منذ نحو خمسة أعوام على أمل لقاء نجلها في رحاب الحرية. فقد أصيبت بفيروس كورونا الذي أحدث لديها تليفًا رئويًا حادًا، وبسببه تعيش أيامها موصولة بجهاز الأكسجين. وكان أملها كبيرًا بأن يُدرج اسمه في صفقة طوفان الأحرار، غير أن الاحتلال حال بينها وبين هذه الفرحة. ويعيش الأسير شحادة اليوم حالة من القلق الدائم على صحتها وانقطاع أخبارها عنه.
وبحسب شقيقه، فقد اعتُقل حسام بتاريخ 17/2/2002 من داخل مستشفى تل هشومير حيث كان يعمل هناك. ووجّه له الاحتلال تهمة الانتماء لكتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، بتوجيهات من خلية القائد مروان البرغوثي، والمشاركة في عمليات إطلاق نار أدت إلى مقتل ستة مستوطنين. وبعد تحقيقٍ طويل صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد المكرر ست مرات.
اليوم يقضي الأسير شحادة سنوات اعتقاله في سجن ريمون. ويؤكد شقيقه أن المحامي زاره قبل نحو شهر وأخبرهم أن وضعه الصحي مستقر، لكنه فقد الكثير من وزنه نتيجة حرب التجويع التي يمارسها الاحتلال بحق الأسرى. كما أنه يعيش قلقًا دائمًا على والدته، وقد انقطعت زيارتها له منذ فترة طويلة بسبب مرضها وبسبب حرب غزة.
ويُعدّ حسام شحادة أحد أبرز شعراء الحركة الأسيرة، إذ صدرت له عدة دواوين من داخل السجون. إلا أن عطائه الشعري توقف منذ عامين ونصف، تزامنًا مع إعلان حالة الطوارئ في سجون الاحتلال عقب حرب الإبادة على قطاع غزة. ويتمتع شحادة بعقلية نهمة للعلم؛ إذ درس المحاسبة سنتين قبل اعتقاله، وخلال فترة اعتقاله حصل على درجة البكالوريوس في العلوم الإنسانية، ثم نال درجة الماجستير.
ورغم مرور 23 عامًا، لا يزال اسم حسام شحادة حاضرًا في ذاكرة أبناء مخيمه. يتذكرونه لاعبًا رياضيًا مميزًا، وحالمًا يحب الحياة والألحان والأناشيد. ورغم شغفه بالحياة، اختار طريق النضال متأثرًا بأوجاع مدينته وخلايا المقاومة التي حملت أرواحها على أكفّها. وكان واحدًا من ثلاثة شبان مقدسيين في خليته أُفرج عنهم جميعًا إلا هو، ليبقى وحيدًا يصارع ويلات السجون، فيما تُحرم عائلته كما باقي عائلات الأسرى من حق زيارته ومعرفة أحواله الاعتقالية والصحية بدقة.