الأسير المؤبد رائد الحوتري: معاناة مستمرة بين الإهمال الطبي والتنكيل في سجون الاحتلال
تقرير/ إعلام الأسرى

بعد سرقة حق الزيارة من أهالي الأسرى وصعوبة الحصول على حجز لزيارات المحامين، أصبح الأسرى يصارعون هواجس من نوع آخر. بعضهم يتلقى أخبار وفاة أحد والديه بعد فترة طويلة نتيجة الغياب والعزل عن العالم الخارجي، وبعضهم الآخر، حتى عندما تتوفر زيارة محامي، يعاني من آثار تنكيل إدارة السجون عند خروجه للزيارة، فيوصل أخبارًا إلى ذويه تمنعهم من إرسال محامي مرة أخرى. الأوضاع الكارثية في سجون الاحتلال تتعدى التجويع والضرب والتنكيل والإهمال الطبي، لتصل إلى حد التلاعب بمشاعر الأسرى وأخبار ذويهم، وجعلهم يرفضون زيارات المحامين بشكل طوعي، بينما تذوب قلوب العائلات في الخارج كمداً على فتات أخبار تُطفئ شوقهم.

الأسير القائد رائد أحمد محمود الحوتري (53 عامًا) من قلقيلية، تلقى أخبارًا تفيد بوفاة والدته منذ فترة قصيرة، رغم أنها توفيت منذ عدة أشهر، ويعود السبب في ذلك إلى غياب زيارات المحامين وصعوبتها البالغة، خاصة في سجن نفحة حيث يتواجد. معظم عائلات الأسرى في هذا السجن تؤكد أن زيارات المحامين تعجيزية للغاية.

راتبه وزيارات المحامين

تقول زوجة الأسير رائد الحوتري، الدكتورة أسماء حمودة: "زيارات سجن نفحة صعبة جدًا. تمكن محامي من زيارة زوجي بعد تنسيق طويل ولقاء 1500 شيقل، واحتاج حجز محامي آخر لمدة خمسة أشهر تقريبًا. صعوبة زيارات المحامين لسجن نفحة ليست العقبة الوحيدة، فقد أخبرني زوجي بعدم إرسال محامين مرة أخرى، لأن الأسرى يتعرضون للتنكيل في كل مرة يحصل فيها الأسير على زيارة محامي".

عراقيل زيارة المحامين لا تقتصر على الأسير رائد الحوتري، فمعظم الأسرى يتعرضون للضرب والتنكيل في كل زيارة، في إشارة إلى أن إدارة السجون تسعى لتغييب أخبار الأسرى عن العالم الخارجي، وتعزلهم وتضيق على حياتهم بعيدًا عن أعين الجميع.

يُذكر أن الأسير رائد الحوتري يتعرض لنقل دائم بين "البوسطات" للمقابلات، مرة في سجن عوفر ومرة في سالم، ويتم إرجاعه دون مقابلة، في أسلوب جديد من التعذيب النفسي والجسدي. تقول زوجته: "إجراء تعذيبي فقط، منذ حرب السابع من أكتوبر خرج رائد لخمس مقابلات تقريبًا، يُوصَل في كل مرة ويجلس في البوسطة خمس أيام ثم يُعاد دون مقابلة، هكذا دون سبب".

منذ سبعة أشهر، تم قطع راتب الأسير رائد الحوتري، ما حرَم عائلته من هذا الحق البسيط، الذي يضمن على الأقل دفع تكلفة المحامين الباهظة جدًا، في سجن نفحة. هذه السياسة تُثقل كاهل العائلة فوق عبء الحصول على حجز لزيارة محامي.

رائد الحوتري الأب والزوج

الأسير رائد ليس مجرد اسم، بل هو أب لابنين وزوج لإنسانة تكافح من أجله ومن أجل أبنائها منذ اعتقاله، وتقوم بدور الأم والأب لهم. ابنته حور كانت في رحم أمها عند اعتقاله، وابنه مقداد كان عمره عام ونصف فقط. بأعمارهم الصغيرة، شعر حور ومقداد بمعنى الغياب الأبوي المبكر. زوجته الدكتورة أسماء حمودة، عرفت معنى أن يكون زوجها السند بعيدًا عنها، تعيش فترة مطاردة أخباره من أسرى محررين ومن زيارات محاميه الشحيحة، وأكملت دراستها وهو في الأسر وحصلت على درجة الدكتوراة، دون أن يكون الاعتقال عقبة أمام طموحاتها.

اليوم، تتساوى أعمار مقداد وحور تقريبًا مع مدة اعتقال والدهم، 23 عامًا متواصلة في سجون الاحتلال، أي غياب كامل عن حياتهم وذاكرتهم. مقداد وحور أصبحا شابين، والاحتلال يغلق أبواب سجونه على والدهما، فيما تعيش العائلة انتظار الفرج والحرية.

تشير زوجته إلى أن مقداد وحور حُرِمَا من دفء والدهما منذ نعومة أظافرهما، ورائد تلقى ألمًا مضاعفًا بعد معرفة وفاة والدته بعد عدة أشهر، لتنضم هذه المأساة إلى سلسلة آلامه الطويلة في السجون، جلها حقوق إنسانية لا يجب أن تكون رفاهية.

رغم الغياب، معنويات رائد عالية، يحلم بالحرية كل يوم، ويرى فجر العودة إلى عائلته قريبًا، ويأمل في صفقة تحرير تضمن عودته إلى بيته بعد غياب قسري دام عقدين.

الاعتقال والإهمال الطبي

اعتُقل الأسير رائد الحوتري في 21/3/2003 بعد مطاردة طويلة، وتعرض لتحقيق قاسٍ. تقول زوجته: "عانى زوجي من آثار التحقيق والتعذيب الجسدي، ولم يكتفِ الاحتلال بمحاكمته محاكمة صورية، بل أصدر حكمًا جائرًا مدته 22 مؤبدًا متراكمة، في واحد من أقسى الأحكام انتقامًا له ولشخصه".

منذ اعتقاله، يعاني رائد الحوتري من أمراض عديدة تتطلب علاجًا عاجلًا، منها تمزق في المعدة، مشاكل في الكبد وارتفاع الدهون، مرض النقرس الذي يعيقه عن الحركة، وإصابة في عينه نتيجة شظايا وضرب، ويحتاج إلى عملية زراعة قرنية عاجلة. كما يعاني من السكري وأمراض جلدية (سكابيوس)، وآلام في الرقبة والأسنان نتيجة التعذيب.

إدارة السجون كسرت نظارته الطبية مرتين خلال حرب السابع من أكتوبر، مما زاد من صعوبة الرؤية والصداع. نتيجة سياسة التجويع، فقد الأسير رائد الحوتري نحو 40 كيلوغرامًا من وزنه.

رائد الحوتري أحد أبرز رموز الحركة الأسيرة، تعرض لمحاولة اغتيال لدى اعتقاله، وأصيب بشظايا لم تزل تؤلمه حتى اليوم. حُرِم من زيارة زوجته لسبع سنوات، ومع ذلك لا يزال يحمل الأمل والكرامة، مستمدًا قوة من صبره وتضحياته لأجل شعبه.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020