ناهض الأقرع وسامي أبو دياك نموذجاً
أجسادٌ هزيلة، وعيونٌ غائرة، وأقدامٌ مثقلةٌ بالتعب... هكذا كانت حالُ عددٍ كبير من أسرى الضفة وقطاع غزة
تقرير/ إعلام الأسرى

بعد عشرين عامًا من الأسر، وفي أولى كلماته بعد نيل حريته من سجن الرملة، قال الأسير ناهض الأقرع (55 عامًا) من غزة إن أوضاع السجون "كارثية"، ولم ينسَ أن يشكر المقاومة التي أفرجت عنه من مقابر الموت بعد أن فقد ساقيه على مراحل داخل الأسر.

يُعدّ الأقرع أحد أبرز الحالات المرضية التي كشفت إجرام الاحتلال، إلى جانب شهادات عددٍ كبير من الأسرى الذين نالوا حريتهم من السجون، حيث بدت علامات التعب جلية على أجسادهم؛ فمعظمهم لم يكن يقوى على السير وحده، ولا حتى على الكلام. اتخذ كلٌّ منهم من أجساد عائلاتهم سَندًا يحملهم، وألقوا عليها تعبَ السنوات الطويلة التي أنهكتهم.

اعتُقل الأسير ناهض الأقرع عام 2007، وبُترت ساقه داخل السجن نتيجة إصابةٍ سابقة وإهمالٍ طبي متعمد، وأمضى سنوات أسره في ما يُسمّى "عيادة سجن الرملة". وفي مخيم النصيرات بغزة، استقبله الأهالي محمولًا بين أحضانهم، يُعيدونه بعد غيابٍ طويل إلى موطنه، وهو الأسير الذي واجه حكمًا بالسجن المؤبد ثلاث مرات، بعد تنفيذه عملية تفجير دبابة إسرائيلية أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود.

اليوم يعود الأقرع إلى حريته، دون أن يجد والدته أو والده، اللذين توفّيا خلال سنوات اعتقاله، ولم يُتح له وداعهما.

أما في الضفة الغربية، فظهر الأسير سامي أبو دياك (42 عامًا) من بلدة سيلة الظهر قضاء جنين، مُثقل الهيئة، يترنّح بين أقربائه الذين أمسكوا بيده حتى أوصلوه إلى منزله. جسده أنهكه مرض السرطان الذي أُصيب به داخل سجون الاحتلال.

كان أبو دياك قد أُسر بعمر 19 عامًا وهو يتمتع بصحة جيدة، لكن المرض لاحقه خلف القضبان، ليصبح أحد أبرز الحالات المرضية المهددة بالموت في أي لحظة داخل "عيادة سجن الرملة" أيضًا.

اعتُقل سامي أبو دياك عام 2002، وفي عام 2015 جرى تشخيص إصابته بمرض السرطان ووجود ورمٍ في الأمعاء، فاستُؤصل جزء منها. إلا أن تأخر العلاج أدى إلى انتشار المرض في جسده، وخضع منذ ذلك الحين لأكثر من ستّ عمليات جراحية.

اليوم ينال حريته متجهًا نحو رحلة علاجٍ طويلة، لكن هذه المرة في أحضان عائلته.

عددٌ كبير من أسرى قطاع غزة خرجوا من الأسر مبتوري الأطراف، وآخرون تلقّفهم ذووهم على كراسٍ متحركة، في مشاهد تعبٍ وإعياءٍ شديد. وقد روى أسرى محررون أن الضرب استمر بحقهم أربعة أيامٍ متواصلة "كهديةٍ" للإفراج عنهم، فيما بدت علامات التورّم واضحةً على أجسادهم الهزيلة. وأكد أسرى آخرون أنهم لم يُتركوا لحظةً دون تعذيبٍ أو شبحٍ أو ضرب، وبعضهم جرى تهديده بأبنائه وزوجاته، فيما أُبلغ عدد كبير منهم بأن عائلاتهم استُشهدت بالكامل، وأنهم سيعودون إلى غزة ليجدوا فقط الدمار والإبادة.

أسيرٌ آخر من غزة قال إن إدارة السجون كانت تتعمّد ضربهم على مواضع إصاباتهم، حتى إن يده كُسرت خمس مرات.

كل من نالوا حريتهم من الأسرى المرضى والشبان خرجوا إلى ميلادٍ جديدٍ كالأشباح؛ عيونهم الغائرة وأجسادهم الهزيلة تعكسان حجم التجويع والتعذيب الذي مورس بحقهم. فمنذ حرب السابع من أكتوبر، لم تتوانَ إدارة السجون عن تنفيذ أشدّ وسائل القمع من تجويعٍ وضربٍ وشبحٍ وتنكيل انتقامًا من أجسادهم.

فصولٌ جديدة كُتبت لهم من الحرية نحو الكرامة، ومن الألم نحو أجسادٍ ستواصل رحلة العلاج، إذ لم تكتمل حريتها بعد تحت وطأة التراكمات المرضية التي خلّفتها سنوات الجحيم والجروح النازفة.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020