في زنازين سجن الدامون، حيث تختلط العزلة برطوبة الجدران، تقف ولاء خالد فوزي طنجي (29 عاماً) ابنة مخيم بلاطة، لتعلن أنها لم تهزم بعد. اعتقلت فجر الرابع من يوليو/تموز 2025، حين اقتحمت قوة عسكرية بيت عائلتها بـ 11 جيب عسكري، واقتادتها بعد اعتداءٍ وضربٍ مبرح، ثم قضت شهراً كاملاً في التحقيق داخل المسكوبية قبل أن تنقل إلى الدامون.
ولاء التي خاضت أكثر من تجربة اعتقال سابقة، تصف نفسها بأنها "أميرة العزل"، إذ عُزلت 11 مرة منذ بداية اعتقالها وما تزال اليوم تقبع في غرفة انفرادية مكبلة بالسلاسل لساعات طويلة بين الفئران والصراصير وتخضع لاقتحامات ليلية وتفتيش حتى الثالثة فجراً.
تقول عن إحدى جولات القمع:
"قمعونا من خلال وحدة اليماز بالسلاح داخل الغرف. حملتني سجانة كأنني كيس طحين ورمتني في الساحة ثم داست بحذائها العسكري على رقبتي. عرضت آثار الكلبشات على القاضي، لكن شيئاً لم يتغير. حتى في العزل، يقيدون يديّ وقدميّ 12 ساعة متواصلة"
تصف ولاء هذه المرحلة بأنها "أصعب حبسة"، لكنها رغم ذلك تؤكد أن كل عزلة تجعلها أقوى: "صرت أميرة العزل ، كل مرة أخرج من الغرفة المعتمة بروح أشد صلابة"
في حديثها لم تنس ولاء شقيقاتها وصديقاتها وأهل الأسيرات. أوصت أن يبلغ سلامها إلى ليلى وأم ريان، واعتذرت بحرقة لابنة أختها جود لأنها لم تستطع أن تجلب لها حقيبة المدرسة.
وحين ذكرت الطفلة ريان لم تتمالك دموعها وقالت: "هاي أول مرة ببكي من يوم اعتقالي"
كما أرسلت اعتذارها لشقيقتها نغم لأنها لم تفِ بوعدها تجاه بناتها رفيف ورهف، ووجهت رسالة لشهد خطيبة شقيقها الأسير محمد طنجيومعتذرة عن غيابها عن تخرجها وعن حفلة نجاح مجاهد.
ولم تنس الأسيرات الأخريات، فحملت رسائلهن لعائلاتهن: ياسمين شعبان، د. شيماء أبو غالي، لينا وزوز، إسلام حلبي، أسيل، سالي وهناء، وآية.
كما خصت بالذكر الأسيرة تقى برسالة قالت فيها: "كوني منيحة عشان أكون منيحة، رسائلك بتقويني"، وإلى تحرير وجهت عتباً: "بتشتغلي بالهيئة عالفاضي؟ ولاء بتموت جوا وما في ولا محامي"
ورغم قسوة الظروف تحتفظ ولاء ببذرة أمل لا تنطفئ. تبتسم وهي تروي: "والله الليلة حلمت بترويحة قريبة بصفقة مشرّفة"
هكذا تمضي "أميرة العزل" بين قيود الحديد وأحلام الحرية شاهدة على عزيمة الأسيرات اللواتي يحولن الزنزانة إلى مدرسة للصبر، ورسائلهن إلى جسر يربط بين عتمة السجن وضوء الوطن.