22عاماً من الغياب القسري المتعمد عن حضن عائلته، خاض فيها سلسلة من المحاكم التي كانت تنتهي دائماً بأمرٍ إداري جديد، تحت وطأة حكم الاعتقال الإداري، الملف الأكثر فتكاً بأعمار الأسرى في سجون الاحتلال، أحد أبرز السياسات التي يهدف الاحتلال عبرها إلى إفراغ الحاضنة الشعبية الفلسطينية من أبرز رجالها وقادتها وشبابها وحتى ألسنتها الحرة، 22 عاماً بأتراحها قبل أفراحها باقتحاماتها وبرد انتظارها، بتكسير الأبواب وخلع مقابضها، وبتحقيقٍ مع العائلة وحتى مع جدران بيتها، 22 عاماً هو رقم خاص بأحد أبرز الأسرى الذين يعانون من ملف الاعتقال الإداري حتى أصبح اليوم أيقونة واسماً منفرداً بذاته.
مكتب إعلام الأسرى تحدث إلى شقيق الأسير الصحفي والمعتقل الإداري الملقب "بأيقونة الاعتقال الإداري"، الأسير نضال نعيم أبو عكر(56عاماً) من سكان مخيم الدهيشة، في مدينة بيت لحم، للوقوف على أبرز محطات اعتقاله، وللحديث حول عرض الإبعاد الذي قدمه الاحتلال له، وحول غيابه القسري عن كافة مناسبات عائلته. يؤكد شقيق الأسير نضال أبو عكر بأن الاحتلال خيره ما بين الإبعاد أو البقاء رهن الاعتقال الإداري واختار هو البقاء في الأسر على مغادرة وطنه ورفض القرار رفضاً قاطعاً، يقول شقيقه" حصل أخي على خيارٍ للإبعاد مقابل أن ينال حريته، لكنه رفضه واصفاً إياه بالخلاص الفردي، مؤكداً على تمسكه بوطنه وبأبناء شعبه وقضاياه وثوابته الوطنية".
الأسير أبو عكر يلقب بأيقونة الاعتقال الإداري نتيجةٍ لاعتقالاته الإدارية المتكررة في سجون الاحتلال، فقد قارب على 22 عاماً من الأسر منها ما يقارب 15 عاماً خاض فيها حرباً مع ملف الاعتقال الإداري المتجدد، يقول شقيقه" تتوجه محاميته اليوم بطلب استئناف ضد أمر الاعتقال الإداري الجديد بحقه في الوقت الذي ينتهي آخر تجديد له بتاريخ 25/8/2025، ونتوقع تجديد شهرين آخرين له، ونعمل جاهدين بأن يكون آخر تجديد له في سجون الاحتلال".
الأسير أبو عكر يقبع حالياً في سجن النقب الصحراوي، أمضى في اعتقاله الأخير ما يقارب ال3 سنوات ونصف تحت بند الملف الإداري، كلما قاربت مدة قرار الإداري على الانتهاء سارعت محاكم الاحتلال بتجديدها له، في أسلوب انتقامي واضح من الأسير ومن الشعب الفلسطيني وأبنائه على حد سواء.
يشكل أبو عكر حالة فريدة في نماذج الاعتقال، فمنذ الانتفاضة الأولى وحتى ما بعد حرب السابع من أكتوبر لم يهنأ أبو عكر باستقرارٍ رفقة عائلته، على أن سنوات طويلة من اعتقاله كانت تحت وطأة الملف الإداري، وخلال آخر عقدين من حياته أمضى في حالة نادرة سنتين حرية مع عائلته حتى عمد الاحتلال إلى اعتقاله مجدداً.
يقول شقيقه" نضال لم يحضر أي مناسبة من مناسبات عائلته، تزوجت ابنته وأنجبت قبل 6 أشهر وحرمت كما حرم هو من فرحة هذه المناسبة، حرم من ابنتيه وابنه محمد ومن حياة طبيعية برفقتهم ورفقة زوجته الصابرة، نضال كبر أبناؤه ولم يعش بينهم الكثير، وحرمت عائلته من حقها في الاستقرار".
إلى جانب الحرمان والاعتقال تعرضت عائلة الأسير أبو عكر لضغوطٍ كثيرة، ما بين اقتحامات متكررة للمنزل، وتحقيق واعتقال أفراد أقارب للأسير أبو عكر، واعتقال ابنه محمد وشقيقه رأفت وابن أخته أمير، وتحويل ملفاتهم للاعتقال الإداري حيث أمضوا ما يقارب العامين تحت وطأة هذا الملف أيضاً قبل أن ينالوا حريتهم في أسلوب انتقامي مستفز له ولأفراد عائلته ولسجلهم الذي يحمل سنوات طويلة من التضحية لأجل هذه البلاد.
منذ عمر ال11 عاماً وسجون الاحتلال مرافقة لسنين الأسير أبو عكر، عام 2002 اعتقل وأمضى 5 سنوات تحت ملف الاعتقال الإداري، وعام 2015 خاض إضراباً عن الطعام ضد ملفه الإداري استطاع خلاله انتزاع حريته، غير أن اعتقاله تكرر بعد هذا العام 3 مرات، حتى هذا العام ولم يتركه الاحتلال ليهنأ بأشهر متواصلة رفقة عائلته. الأسير أبو عكر إنسان بعقلية فذة، صحفي بلسان حر، عمل مديراً لإذاعة صوت الوحدة، وقدم برنامج يعنى بشؤون الأسرى ومعاناتهم داخل سون الاحتلال وهو " في زنازينهم"، وكان قولاً وفعلاً إنساناً محارباً لأجل قضايا بلاده، وناشطاً بارزاً في نقابة الصحفيين الفلسطينيين، واعتقاله يحرمه من عمله الذي يحب كما يحرمه من بلده وأبنائه وزوجته وعائلته.
نضال لم يتمكن من وداع والده الحاج نعيم أبو عكر حين وافته المنية بتاريخ 12/7/2020، حيث كان معتقلاً، وهو أحد أقدم المعتقليين الإداريين في سجون الاحتلال، يواصل الاحتلال اعتقاله اعتقالاً أقل ما يمكن وصفه بالانتقامي، منذ الأول من آب لعام 2022، ويرى رغم كل هذا السنوات في قرار إبعاده عن وطنه خيانة لا يمكن أن يوافق عليها، مصراً على أن يتمسك بوطنه حتى لو كان ذلك مقابل سنين حياته.
تنتظر عائلة الأسير أبو عكر قرار محكمة العدل العليا اليوم بالنظر في قضية للاستئناف ضد حكم اعتقاله الإداري، وتأمل أن لا يتم تجديد هذا القرار على أنها تؤكد أن لا أمان لتصرفات الاحتلال ومحاكمه، في الوقت الذي يمضي الأسير أبو عكر لحظاته داخل سجن النقب في انتظار الخلاص والحرية أو التجديد الإداري مرة أخرى.