تقارير وحوارات

أنس جرادات: مؤبدٌ بلا علاج في عزلٍ انفرادي يخالف كل القوانين الدولية

يراقب أهالي الأسرى، بشوق الغائب المتلهّف، حريةَ كل أسيرٍ كان يرافق أبناءهم خلال الاعتقال؛ إن كان في قسمه، أو في ذات غرفته، أو حتى ممن سمعوا أخباره عبر أسرى آخرين. المهم أن تطمئن العائلة إلى أن جسده لا يزال يقاوم حرب التجويع وسياسة التنكيل والعزل الانتقامي.
وفي ظل استمرار حالة الطوارئ، تتعمد إدارة سجون الاحتلال حرمان عدد كبير من أهالي الأسرى من حق إرسال محامٍ لمعرفة جديد أوضاع أبنائهم، وتُبقيهم داخل سجونها بعيدًا عن الأعين، تمارس بحقهم انتهاكاتٍ وحشية دون رقيب أو حسيب. ويبقى حرمان الأسرى من زيارة ذويهم، الذي فُرض بعد حرب السابع من أكتوبر، أحد أبرز الانتهاكات الصارخة في تاريخ الحركة الأسيرة.
الأسير أنس غالب حسن جرادات (41 عامًا) من بلدة السيلة الحارثية قضاء مدينة جنين، هو أحد هؤلاء الأسرى الذين انقطعت أخبارهم عن ذويهم منذ حرب السابع من أكتوبر، ولا تملك عائلته سوى المحاولات المستمرة لإرسال محامين لزيارته. إلا أن هذا الحق حُرم منه ذوو الأسير أنس جرادات، حيث تمنع إدارة السجون، منذ اندلاع الحرب، أي زيارة قانونية له، رغم تواصل العائلة مع العديد من المؤسسات الحقوقية، في تجاهلٍ صارخ لمعاناة أسرته وحقه الإنساني.
تحدث مكتب إعلام الأسرى إلى عائلة الأسير أنس جرادات، للوقوف على آخر أخباره الصحية والاعتقالية، وظروف الإهمال الطبي والتجويع التي يتعرض لها، إلى جانب عزله الانفرادي وتنقله الدائم بين السجون منذ الحرب، في محاولة لتسليط الضوء على سِيَر الأسرى أصحاب الأحكام المؤبدة من قادة الحركة الأسيرة، في ظل ما يرد من أنباء عن تصاعد القمع والتنكيل المتعمّد بحقهم.
مسيرة قائدٍ مغوار
وُلد الأسير أنس جرادات في قرية السيلة الحارثية بتاريخ 7/12/1981، وتربّى في مدارسها، ونشأ على حب بلاده وحرية وطنه وكرامته. التحق بسرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وكان من أوائل المشاركين في انتفاضة الأقصى عام 2000، حيث لعب دورًا بارزًا في عدد من العمليات، وأصبح لاحقًا قياديًا بارزًا في الحركة.
وكان الأسير أنس جرادات أحد أبرز مهندسي عمليات سرايا القدس، إذ كان له دور محوري في عمليتي كركور، اللتين نفذهما الاستشهاديان أشرف الأسمر ومحمد حسنين، وعملية مجدو التي نفذها الاستشهادي حمزة سمودي، وأسفرت عن مقتل نحو 31 جنديًا من جنود الاحتلال.
ونتيجة مسؤوليته عن هذه العمليات وعمليات فدائية أخرى، اعتقل الاحتلال الأسير أنس جرادات بتاريخ 11/5/2003، وقد أمضى حتى اليوم 22 عامًا في سجون الاحتلال، وصدر بحقه حكمٌ بالسجن المؤبد 35 مرة، إضافة إلى 35 عامًا أخرى، لدوره البارز في قيادة سرايا القدس وتجنيد عدد من الاستشهاديين.
وعاش الأسير أنس جرادات مرحلة ما قبل حرب السابع من أكتوبر في ظروف قاسية، حيث تعرّض للعزل الانفرادي لفترات طويلة، وأصيب بالمرض خلال عزله، وكان له دور بارز في إضراب الكرامة عام 2017. كما فقد والده عام 2011 دون أن يتمكن من وداعه، غير أن صبره وإيمانه وحبه للعلم مكّنته من نيل شهادة الثانوية العامة والبكالوريوس خلال فترة اعتقاله.
ما بعد حرب الإبادة
بعد حرب الإبادة على قطاع غزة، كان للأسير أنس جرادات نصيبه من القمع والعزل والتنكيل، كغيره من قادة الحركة الأسيرة. وتقول عائلته في حديثها لمكتب إعلام الأسرى:
“تنقّل أنس منذ السابع من أكتوبر من سجنٍ إلى آخر، وآخر ما وصلنا عنه أنه محتجز في عزل ريمون، حيث تعرّض للعزل الانفرادي المتواصل، كغيره من قادة الحركة الأسيرة، منذ الحرب وحتى اليوم”.
وحول وضعه الصحي، تشير العائلة إلى أن إدارة السجن قطعت عنه العلاج بعد الحرب، ومنعته من أدويته رغم معاناته من مشاكل صحية في الكبد، وحاجته الماسة إلى علاج منتظم وأدوية مستعجلة. كما يعاني من مشاكل في النظر ويحتاج إلى نظارة طبية، علمًا أن إدارة السجون صادرت معظم النظارات الطبية من الأسرى بعد إعلان حالة الطوارئ.
وتتابع عائلته أخباره الصحية فقط عبر إفادات أسرى محررين، في ظل حرمانه الكامل من زيارات المحامين منذ بداية الحرب.
ومنذ شهر آب/أغسطس، تم قطع راتب الأسير أنس جرادات، فيما لا تزال عائلته، منذ السابع من أكتوبر، تحارب الوقت والزمن في محاولات متكررة لإرسال محامٍ لزيارته، دون أي استجابة من إدارة السجون. واليوم، لا تعرف العائلة حقيقة وزنه ولا ملامحه، لكنها تدرك أن معاناته لا تختلف عن باقي الأسرى، من تجويعٍ وإهمالٍ طبي وتنكيلٍ يومي متواصل.

زر الذهاب إلى الأعلى