الأسير المؤبد خالد شبانة: 26 عامًا من الحكم المؤبد توازي ألم شوقه لوالدته

تظلّ الأمّ دائمًا الحلقة الأكثر ألمًا في حياة أي أسير، ومصدر القوة الذي يُبقيه صامدًا حين تعصف به زنازين العزل، وآلام التجويع، وطول الغياب. وفي ظلّ غياب زيارات الأهالي عن الأسرى، وانعدام وصول الأخبار، وفرض حالة من العزل الجماعي المكاني والزماني بحقهم داخل السجون، لم يعد الأسير قادرًا على الاطمئنان على ذويه، كما لم يعد الأهالي قادرين على تتبّع أخبار أبنائهم إلا عبر زيارات المحامين التي قد تستغرق وقتًا طويلًا حتى تتحقق.
وفي ظل استمرار حالة الطوارئ داخل السجون، تتضاعف معاناة الأسرى، ليس فقط بسبب انقطاع الأخبار، بل أيضًا بسبب استغلال إدارة السجون غياب المؤسسات الحقوقية والإنسانية عن المعتقلات، ما يمنحها مساحةً مفتوحة للتنكيل والقمع بحق الأسرى دون رقيب أو حسيب.
يواصل مكتب إعلام الأسرى عرض قصص الأسرى أصحاب الأحكام المؤبدة، في ظل تصاعد الانتهاكات بحقهم وبحق أجسادهم وصحتهم، وفي وقت تتزايد فيه دعوات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير لتطبيق حكم الإعدام بحقهم، واستمرار حالة الطوارئ داخل السجون، وما يترتب عليها من انتهاكات صارخة لحقوقهم الإنسانية والقانونية على حدّ سواء.
الأسير خالد عبد الرحمن إبراهيم شبانة (47 عامًا)، من سكان قرية سنجل قضاء مدينة رام الله، هو أحد أسرى المؤبدات، ويبلغ عددهم 17 أسيرًا من محافظة رام الله، جرى استثناء أسمائهم من كافة صفقات الحرية. وُلد بتاريخ 20/4/1978، وعاش حياته محبًا لوطنه، وكان أحد عناصر قوات الـ17 التابعة لكتائب شهداء الأقصى، وشارك في تنفيذ عدة عمليات فدائية.
اتهمه الاحتلال بالمشاركة في تنفيذ أول عملية إطلاق نار خلال انتفاضة الأقصى عام 2000، استهدفت حافلة للمستوطنين قرب منطقة عيون الحرامية، ومنذ ذلك الوقت يقضي حكمًا بالسجن المؤبد مدى الحياة داخل سجون الاحتلال.
بداية النضال
أسفرت عملية عيون الحرامية، التي اتُّهم الأسير خالد شبانة بالمشاركة فيها، عن مقتل عدد من المستوطنين وإصابة آخرين عام 2000، وشكّلت نقطة تحوّل في حياته النضالية. وتقول عائلته في حديثها لمكتب إعلام الأسرى حول ظروف اعتقاله:
“تعرض خالد لمطاردة طويلة قبل أن يتمكن الاحتلال من اعتقاله بتاريخ 29/12/2000. حاصر الاحتلال المنزل الذي كان متواجدًا فيه، وبعد التأكد من أن أي محاولة للخروج قد تؤدي إلى استشهاده، جرى اعتقاله.”
شكّل الاعتقال بداية معاناة طويلة للأسير خالد شبانة؛ إذ نُقل إلى مركز تحقيق المسكوبية، حيث خضع لتحقيق قاسٍ استمر نحو 70 يومًا، ذاق خلالها صنوف التعذيب والمعاناة. وبعد أكثر من عامين من التوقيف وتأجيل المحاكم، صدر بحقه حكم بالسجن لمدة 39 عامًا وستة أشهر، إلا أن قادة المستوطنين رفضوا الحكم وطالبوا باستئنافه، فاستجابت محكمة الاحتلال لمطالبهم، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد مدى الحياة.
بعد 26 عامًا
مرت 26 عامًا على اعتقال الأسير خالد شبانة، تعرّض خلالها لعزلٍ انفرادي متقطع، وفقد كوكبة من رفاقه الذين ارتقوا شهداء على درب الحرية، كما استُشهد شقيقه محمود شبانة. وكان له دور بارز في إضراب الكرامة الذي خاضه الأسرى بأمعائهم الخاوية، وجرى نقله على إثره إلى المستشفى آنذاك، لتحقيق إنجازات سُلبت منهم لاحقًا.
واليوم، وبعد حرب السابع من أكتوبر، وفي ظل استمرار حالة الطوارئ داخل السجون، تؤكد عائلة الأسير خالد شبانة أنه يتعرض لجملة من الانتهاكات، أسوةً بباقي الأسرى.
وتوضح العائلة:
“يتواجد الأسير خالد شبانة حاليًا في سجن ريمون، وقد زاره محامٍ مرتين فقط بعد السابع من أكتوبر. علمنا أنه فقد نحو 16 كيلوغرامًا من وزنه نتيجة سياسة التجويع المتبعة داخل السجون. يعاني هو وكافة الأسرى من نقص حاد في كميات الطعام، وشحّ في الملابس الشتوية، ما يترك أجسادهم عرضة للبرد القارس، إضافة إلى تقليص فترة الفورة، وشحّ شديد في مواد النظافة.”
شوقٌ لوالدته
عاشت عائلة الأسير خالد شبانة على أمل الإفراج عنه ضمن صفقة “طوفان الأحرار”، إلا أن اسمه استُبعد في اللحظات الأخيرة، لتتبدد فرصة الحرية مجددًا. واليوم تلاحق العائلة أخباره عبر الأسرى المحررين، الذين ينقلون رسائله، مؤكدين أن شوقه الأكبر موجّه لوالدته، وأن أمنيته الوحيدة هي الاطمئنان على صحتها، ولا يهمه من الدنيا شيء سوى أن تبقى بخير وعافية.
وخلال سنوات اعتقاله، لم يقف الأسير خالد شبانة مكتوف اليدين؛ بل جعل من وقته مساحة للعطاء والعلم، فأنهى الثانوية العامة، ودرس بكالوريوس العلوم السياسية في جامعة القدس – أبو ديس، وبدأ دراسة الماجستير، قبل أن توقف الحرب مسيرته التعليمية، كما هو حال باقي الأسرى.
اليوم، تعيش عائلته ووالدته على أملٍ ثابت، بأن حريته وإن طالت، لا بدّ أن تتحقق يومًا ما.



