أربعة مؤبدات و20 عامًا: صبحي صبيحات… شاب جنيني اختار طريق الفداء

في عمر الشباب، كانت خيارات الحياة مفتوحة أمامه على مصراعيها؛ ما عليه سوى أن يخوض غمارها ويسعى لتحقيق أحلامه وطموحاته. غير أنّه غيّر مسار حياته من طريق العلم إلى درب البطولة والفداء، وكانت اعتداءات الاحتلال المتصاعدة، ولا سيما على المسجد الأقصى المبارك عام 2022، البوصلة التي غيّرت اتجاهه بالكامل.
هو الأسير صبحي عماد صبحي صبيحات (23 عامًا)، من بلدة رمانة قضاء مدينة جنين، أحد تسعة أسرى من أصحاب الأحكام المؤبدة الذين ينحدرون من جنين الشامخة. شاب في مقتبل العمر، يقضي اليوم حكمًا بالسجن المؤبد المكرر، ويعيش – كسائر الأسرى، وخصوصًا أصحاب المؤبدات – واحدة من أسوأ الحقب في تاريخ الحركة الأسيرة، في ظل استمرار إعلان حالة الطوارئ في سجون الاحتلال، وسياسة التجويع التي تحولت إلى حرب صامتة تنهش الأجساد والعقول، إلى جانب العزل التام عن العالم الخارجي، وحرمان الأسرى من زيارات ذويهم، وحرمان العائلات من الاطمئنان على أبنائها، إلا عبر رسائل مقتضبة ينقلها المحامون عن ظهر قلب.
خلال شهر نيسان/أبريل من عام 2022، تصاعدت اعتداءات الاحتلال على حرمة المسجد الأقصى المبارك، وعلى المرابطات ورواده وحجارته، ولا تزال هذه الاعتداءات مستمرة حتى اليوم، ما ولّد حالة من الغضب والدافع للانتقام لدى كثير من الشبان الفلسطينيين. وكان الأسير صبحي صبيحات أحد هؤلاء الغيورين على مقدساتهم وبلادهم؛ إذ قرر، برفقة الأسير المؤبد أسعد الرفاعي (22 عامًا)، رفيق دربه في الصداقة والاعتقال والحكم، النهوض نصرةً لقضيتهما.
في تاريخ 5/5/2022 نفّذ الأسيران ما عُرف بـ“عملية إلعاد”، والتي أسفرت عن مقتل أربعة مستوطنين وإصابة ثلاثة آخرين. وتمكّن صبحي صبيحات ورفيقه من الفرار من مكان العملية والنجاة من الاعتقال لعدة أيام. وخلال تلك الفترة، تعرضت بلدة رمانة لاقتحامات واسعة، جرى خلالها التحقيق مع عائلتي الأسيرين واستجوابهما، ومنع تجمعات الأهالي الداعمة لهما. وفي 8/5/2022 اقتحمت قوات الاحتلال البلدة بأعداد كبيرة، وأقدمت على هدم منزل الأسيرين، في إطار سياسة العقاب الجماعي التي تطال البشر والحجر.
وفي اليوم ذاته، 8/5/2022، تمكن جهاز “الشاباك” بمساندة قوات الاحتلال من تحديد مكان الأسير صبحي صبيحات ورفيقه، وجرى اعتقالهما على الفور، وتحويلهما إلى التحقيق. واستمر التحقيق معهما قرابة 50 يومًا في مركز تحقيق الجلمة، تخللهما العزل، فيما تم تأجيل محاكمتهما لما يقارب عامًا كاملًا. وفي 3/11/2024 أصدرت محكمة الاحتلال حكمها بحق كل منهما بالسجن المؤبد أربع مرات، إضافة إلى 20 عامًا أخرى، وغرامة مالية بقيمة مليون ونصف شيقل.
اليوم، يقبع الأسير صبحي صبيحات في سجن نفحة. وقد زاره المحامي خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي، وطمأن عائلته بأن وضعه الصحي مستقر، رغم إصابته سابقًا بمرض السكابيوس، الذي شُفي منه، ومعاناته من فقر الدم الذي لازمه منذ ما قبل الاعتقال وما زال مستمرًا. أما ظروف الاعتقال في سجن نفحة، فلا تختلف كثيرًا عن بقية السجون، وتشبه إلى حد كبير ظروف سجن جلبوع، حيث يُحتجز رفيق دربه أسعد الرفاعي. فبعد اعتقالهما، نُقلا معًا إلى سجن مجدو، لكن عقب صدور الحكم المؤبد بحقهما، جرى تفريقهما، ونُقل كلٌّ منهما إلى سجن مختلف، في محاولة لكسر الرابط الذي جمعهما في كل محطات حياتهما.
يعاني الأسير صبحي صبيحات، إلى جانب جميع الأسرى في سجن نفحة، من البرد القارس، وقلة الأغطية، ورداءة الطعام وشحّه، إضافة إلى العزل الكامل عن العالم الخارجي منذ بداية الحرب حتى اليوم. فلا زيارات للأهالي، ولا “كانتينا”، ولا وسيلة للاطمئنان سوى ما ينقله الأسرى المحررون. وخلال هذه الفترة الطويلة من العزل، لم يحصل صبحي سوى على زيارتين من المحامي، بعد سماح إدارة السجن بذلك، وهي زيارات لا تكفي لبث الطمأنينة في قلب عائلته حول ما يعانيه في الأسر.
الأسير صبحي صبيحات هو الابن الوحيد لوالديه. أنهى مرحلة الثانوية العامة قبل اعتقاله، ودرس دبلوم كهرباء داخلية، قبل أن يغيّر بوصلته التعليمية والحياتية نحو طريق المقاومة والانحياز لبلاده.
وخلال الحديث عن صفقة “طوفان الأحرار”، وعندما علمت منصات المستوطنين بأن اسمَي الأسيرين الرفاعي وصبيحات كانا مطروحين ضمن الصفقة، سارعت تلك المنصات إلى التحريض عليهما، وإعادة تسليط الضوء على عمليتهما ونتائجها. وكانت عائلتاهما قد جهزتا أوراق السفر والجوازات، بانتظار لحظة الحرية، غير أنّ هذه الفرحة سُلبت منهما نتيجة التحريض، بعدما وصلت للأسيرين معلومات تفيد بأنهما سينالان الحرية نحو الإبعاد خارج البلاد، قبل أن يُزال اسماهما من قوائم الإفراج، ويُخطف منهما ومن عائلتيهما أمل الحرية، حتى إشعار آخر.



