الأسير أسعد الرفاعي… أصغر مؤبدي جنين يواجه المرض والتجويع

لم يكن تسعة عشر ربيعًا من العمر، ولا بدايات الشباب وأحلامه، عائقًا أمام أسعد الرفاعي في أن يسلك طريقًا مغايرًا لما اختاره معظم أبناء جيله. لم يختر مشوار الدراسة والحياة وبهرجتها، بل سارع إلى دربٍ آخر، درب المواجهة المباشرة، حين نفّذ عملية نوعية عام 2022 أسفرت عن مقتل أربعة مستوطنين وإصابة ثلاثة آخرين في مدينة إلعاد، والتي عُرفت لاحقًا باسم “عملية إلعاد”.
هو الأسير أسعد يوسف أسعد الرفاعي (22 عامًا)، من بلدة رمانة قضاء جنين، أسيرٌ بقلبٍ كالأسد، يُعدّ اليوم أصغر الأسرى سنًا من بين أسرى مدينة جنين المحكومين بالمؤبد، والبالغ عددهم تسعة أسرى. يشكّل أسعد رمزية خاصة بانتمائه إلى محافظة جنين التي قدّمت الكثير لفلسطين وحريتها، وبعمره الغض الذي لم يقف حائلًا بينه وبين طريق الكرامة والوقوف في وجه الاحتلال.
تحدّث مكتب إعلام الأسرى إلى عائلة الأسير أسعد الرفاعي للوقوف على آخر مستجدات أوضاعه الصحية والاعتقالية، ومسيرته النضالية المبكرة، ولمتابعة مطالبة العائلة المتواصلة بتوفير علاج عاجل له، في ظل معاناته من مرض جلدي خطير هو السكابيوس.
حق العلاج… مطلب مُهمل
تؤكد عائلة الأسير أسعد الرفاعي أن أوضاعه الصحية سيئة للغاية، مشيرة إلى أن محاميه زاره مؤخرًا وأكد أن حالته لم تشهد أي تحسّن في سجن جلبوع، رغم مرور ما يقارب أربعة أشهر على مطالبته هو وعائلته بتوفير علاج لمرض السكابيوس الذي ينهش جسده.
وبحسب العائلة، فإن أسعد بحاجة ماسة إلى مضاد حيوي وعلاج فوري، وقد تقدم محاميه بطلب رسمي إلى إدارة السجون للسماح بعلاجه، غير أن جميع المطالب قوبلت بالرفض. واليوم، تناشد العائلة المؤسسات الحقوقية والجهات المختصة بشؤون الأسرى التدخل العاجل لإنقاذ حياته وتوفير العلاج اللازم له.
ولا تقتصر معاناة الأسير أسعد على المرض وحده، فالأوضاع العامة في سجن جلبوع بالغة السوء. فقد أفاد محاميه بتعرّض الأسرى لعمليات قمع وتنكيل يومية، إضافة إلى سياسة التجويع، حيث تُقدَّم كميات قليلة جدًا من الطعام. كما يُجبر الأسرى على الاستحمام بالماء البارد، دون مراعاة لفصل الشتاء وبرودته، في ظل حرمانهم من الملابس الدافئة والأغطية، ما حوّل الطقس القاسي إلى أداة تعذيب إضافية.
بداية النضال
عندما قرر الأسير أسعد الرفاعي خوض غمار المواجهة الفردية، إلى جانب رفيق دربه الأسير صبحي عماد صبيحات (23 عامًا)، لم يكن العمر الغض عائقًا أمامه، بل مضى ثابتًا غير مدبر نحو طريقه الصعب.
وفي تاريخ 5/5/2022، نفّذ الأسيران عملية إلعاد، التي أسفرت عن مقتل أربعة مستوطنين وإصابة ثلاثة آخرين، وجاءت في سياق الاعتداءات المتكررة التي كان يرتكبها الاحتلال بحق المسجد الأقصى المبارك.
أدخلت العملية جيش الاحتلال وجهاز “الشاباك” في حالة استنفار وتوتر غير مسبوقة، وبعد أربعة أيام من المطاردة، تمكّن الاحتلال من الوصول إلى الأسيرين واعتقالهما. وفي 16/5/2023، أصدرت محكمة الاحتلال حكمًا بالسجن المؤبد أربع مرات بحق كلٍّ من أسعد الرفاعي وصبحي صبيحات، إضافة إلى 20 عامًا أخرى.
ومنذ لحظات الاعتقال الأولى، تعمّد الاحتلال تفريق الأسيرين، حيث نُقل أسعد بين عدة سجون قبل أن يُستقر به الحال في سجن جلبوع، فيما أُبقي على صبحي صبيحات في سجن نفحة.
انتهاكات جماعية وعقاب مضاعف
عقب تنفيذ العملية، اقتحمت قوات الاحتلال بلدة رمانة بأعداد كبيرة من الآليات العسكرية، وداهمت منزل عائلة الرفاعي، وحققت مع الوالدين، وأجبرت المتضامنين على مغادرة المكان، تمهيدًا لهدم المنزل.
وفي 8/8/2022، اقتحمت قوات الاحتلال البلدة بأكثر من مئة جندي، وطوقت القرية بالكامل، قبل أن تقدم على هدم منزل الأسير أسعد الرفاعي ومنزل رفيقه صبحي صبيحات، في سياسة عقاب جماعي طالت العائلتين والقرية بأكملها.
حلمٌ تأجل خلف القضبان
أنهى الأسير أسعد الرفاعي امتحانات الثانوية العامة في الفرع العلمي قبل اعتقاله، وبعد أسره قرر إعادة التوجيهي في الفرع الأدبي، متحديًا السجن والقيد. وبالفعل، استكملت عائلته إجراءات انتسابه الجامعي لنيل درجة البكالوريوس.
غير أن حرب السابع من أكتوبر باغتت أحلامه، وحرمتْه كما حرمت آلاف الأسرى من حقهم في التعليم، في ظل حالة الطوارئ التي أعلنتها إدارة السجون، وسحبها لكافة الإنجازات التعليمية التي انتزعتها الحركة الأسيرة عبر سنوات طويلة من النضال.
تحريض يحجب الحرية
تؤكد عائلة الأسير الرفاعي أن فرحتها بصفقة “طوفان الأحرار” كانت كبيرة، وكانت على يقين بأن نجلها أسعد سيكون من بين المحررين، خاصة بعد تداول اسمه داخل السجون. إلا أن الإعلام العبري سرعان ما نشر صورته وصورة رفيقه صبحي صبيحات، وشن حملة تحريض واسعة ضدهما.
وبحسب العائلة، أدّى هذا التحريض إلى استثنائهما من صفقة التحرير، رغم استعداد العائلة الكامل لاستقبالهما، وتجهيز الأوراق وحقائب السفر. اليوم، لا تزال العائلة تنتظر أملًا جديدًا، ورسالة حرية قد تصل ولو بعد حين.



