تقارير وحوارات

الأسير وجدي جودة… 21 عامًا من الأسر وعزلٌ انفرادي ينهش الجسد والروح

في زنزانةٍ بعيدة داخل عزل سجن جانوت، يعيش الأسير وجدي عزمي جودة (46 عامًا)، من سكان عراق التايه الواقعة شرق مدينة نابلس، محاربًا البرد والوحدة، وانقطاع الأخبار وزيارات الأهل، إلى جانب التجويع والأمراض.
تكالبت عليه المعارك كما على باقي الأسرى، فمنذ الإعلان عمّا يُسمّى بـ«حالة الطوارئ» واستمرارها حتى ما بعد انتهاء حرب السابع من أكتوبر، تغيّرت الحياة داخل سجون الاحتلال، ولم تعد الحرية المطلب الوحيد للأسرى، كما لم يعد الاعتقال أو الحكم العالي هو الشبح الوحيد الذي يطارد الأسير في زنزانته.

العزل الانفرادي
منذ 21 عامًا، يعيش الأسير وجدي جودة حياة الأسر، يقاومها بصبره وقوته ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
وقبل حرب السابع من أكتوبر، كانت حياة الاعتقال تمضي – رغم مرارتها – ضمن واقعٍ قاسٍ لكنه أقلّ وحشية، قبل أن تتحوّل إلى شيءٍ آخر بعد هذا التقويم.
في هذا السياق، تحدث مكتب إعلام الأسرى إلى عائلة الأسير وجدي جودة للوقوف على آخر تطورات أوضاعه الاعتقالية والصحية، ولا سيما نقله إلى العزل الانفرادي، ومعاناته الشديدة من البرد القاتل.
وأكدت عائلة الأسير جودة، بعد تمكّن المحامي من زيارته، أنه تعرّض لمعاملة سيئة ووحشية داخل سجن جانوت؛ ففي تاريخ 2/12/2025 اقتحمت وحدات القمع القسم (5) حيث كان محتجزًا، ونقلته إلى القسم (6) بعد الاعتداء عليه بالضرب المبرح.
ثم عادت هذه الوحدات بتاريخ 8/12/2025، واقتحمت القسم مجددًا، وهذه المرة برفقة الكلاب البوليسية، واستخدمت قنابل الصوت خلال عملية القمع، واعتدت عليه مرة أخرى بالضرب المبرح، قبل أن يُنقل إلى زنزانة عزلٍ انفرادي، حيث جرى تمديد عزله مؤخرًا حتى 16/1/2026.
ولم تكن هذه «القمعة» الوحيدة التي تعرّض لها الأسير جودة؛ إذ تعرّض منذ حرب السابع من أكتوبر على قطاع غزة لعدة عمليات قمع، إلا أن الأخيرة كانت الأشد.
وكان قبل الحرب محتجزًا في سجن النقب، وبعد إعلان حالة الطوارئ جرى نقله إلى سجن ريمون، كما مُنع خلال فترة الحرب من زيارة المحامي مراتٍ عدة، في انتهاكٍ إضافي يُضاف إلى سجلّ الانتهاكات التي تمارسها إدارة السجون بحقه.

حرب الشتاء والإهمال الطبي
لم يكن القمع والعزل الانفرادي الانتهاك الوحيد الذي تعرّض له الأسير وجدي جودة؛ فقد أكد لمحاميه أنه يعاني من بردٍ قاسٍ داخل زنزانة شديدة البرودة، حيث يُحرم من الأغطية والملابس الشتوية التي تقيه شيئًا من قسوة الطقس.
وأوضح أنه كان يعتقد أن البرد قارص، لكنه – بعد عزله وما شهده – أدرك أن البرد هنا «يعضّ الأجساد».
وأكدت عائلة الأسير جودة أنه يقاوم هذا البرد بملابسه وجسده فقط، إذ لا يملك سوى غيارٍ واحد غير دافئ، بعد أن جرى سحب الفراش والأغطية منه، ليعيش داخل زنزانته دون أي من مقومات الحياة، ولا يرافقه سوى كرسي يتقاسم معه ألم العزلة.
ويعاني الأسير وجدي جودة من هزالٍ شديد، إذ فقد حتى اليوم نحو 40 كيلوغرامًا من وزنه، كما أُصيب بمرض جلدي (السكابيوس) المنتشر بين الأسرى، قبل أن يتماثل للشفاء بعد مدة.
وكانت عائلته تأمل أن يُدرج اسمه ضمن صفقات المقاومة، إلا أنه حُرم من ذلك أيضًا.
اليوم، يعيش الأسير وجدي جودة أوضاعًا مأساوية، فيما يواصل قضاء فترة حكمه البالغة 25 عامًا، منذ اعتقاله بتاريخ 4/8/2004.

إنجازاته العلمية والسياسية
يشغل الأسير وجدي جودة منصب عضو اللجنة المركزية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إحدى الفصائل اليسارية والرئيسية على الساحة الفلسطينية، ويُعدّ أحد قادة ومؤسسي جناحها العسكري، كتائب المقاومة الوطنية، في الضفة الغربية.
وقبل اعتقاله، كان ناشطًا في الإطار الشبابي للجبهة الديمقراطية منذ سن الرابعة عشرة.
وفي عام 1996، ترأس مجلس اتحاد الطلبة في كلية الروضة للعلوم المهنية، وكان سكرتيرًا لكتلة الوحدة الطلابية في الكلية ذاتها. وبعد عامين، شغل منصب سكرتير كتلة الوحدة الطلابية – الإطار الطلابي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين – في جامعة القدس المفتوحة.
وفي عام 2004، حصل على درجة الدبلوم في تخصص برمجيات وقواعد بيانات من كلية الروضة للعلوم المهنية، ودرجة البكالوريوس في تخصص الخدمة الاجتماعية من جامعة القدس المفتوحة.
وخلال اعتقاله، واصل الأسير وجدي جودة طموحه العلمي وشغفه بالتعلّم، فحصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من جامعة الأقصى، وبكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة القدس، ودرجة الماجستير في الدراسات الإقليمية من جامعة القدس، وينتظر انتهاء إعلان حالة الطوارئ داخل السجون ليستكمل متطلبات الحصول على درجة الدكتوراه.
ويُعدّ الأسير وجدي جودة من أبرز قيادات الحركة الوطنية الأسيرة داخل السجون؛ فقد كان عضوًا في لجنة قيادة الإضراب الذي خاضه الأسرى في نيسان–أيار عام 2012، والذي استمر 29 يومًا، وعضوًا في اللجنة النضالية لقيادة إضراب الكرامة عام 2017.
كما يشغل منصب ممثل أسرى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين داخل السجون الإسرائيلية، وقد انتخبه مؤتمر الجبهة عضوًا في لجنتها المركزية، وعضوًا في قيادتها المركزية عن إقليم الضفة الغربية.
وصدر للأسير وجدي جودة العديد من المقالات السياسية والفكرية، وكان يدير جلسات ثقافية متنوعة داخل السجون، تناولت قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية.

بواسطة
تقرير/ إعلام الأسرى
زر الذهاب إلى الأعلى