خلف القضبان المؤبدة: الأسير عبد الله إغبارية بين الإهمال الطبي وحصار الجسد

يؤرّخ بعض الأسرى اعتقالهم ضمن حقبة ما قبل حرب السابع من أكتوبر وما بعدها؛ إذ كانت السجون، بمفهومها السابق، مكانًا للاعتقال وحصد الحريات، غير أن الأسرى كانوا يجدون دائمًا فسحة أمل تُبقي على صبرهم وصمودهم وحبهم للحياة، وتُبقي الحرية احتمالًا قائمًا في أي لحظة.
أما ما بعد هذا التاريخ، فقد أصبح تقويمًا خاصًا بالأسرى، فكيف الحال بأصحاب الأحكام المؤبدة الذين عايشوا حقبًا زمنية طويلة داخل السجون بتفاصيلها القاسية، وخاضوا إضرابات مفتوحة عن الطعام، وحاربوا بأمعائهم الخاوية حتى انتزعوا حقوقًا إنسانية كانت تُعدّ حينها رفاهية، كالتقاط الصور مع العائلة، وسماع أخبار البلاد والأهل عبر الزيارات والتلفاز.
اليوم، سُحبت هذه الإنجازات بالكامل، وبات الأسرى في كافة السجون يعيشون عزلاً جماعيًا لا نهاية له ما دامت حالة الطوارئ قائمة داخل المعتقلات، وتحولت السجون من أماكن لسلب الحرية إلى أماكن لحصد الأرواح أيضًا.
أصبح الإهمال الطبي أسلوب تعذيب ممنهج تلوّح به إدارة السجون في وجه الأسرى، فيما لا تكفي حصص الطعام لسد جوع إنسان واحد، فكيف بغرفة تضم 12 أسيرًا. وفي هذا السياق، تحدث مكتب إعلام الأسرى إلى عائلة الأسير المؤبد من الأراضي المحتلة عام 1948 عبد الله صالح إغبارية (46 عامًا)، للوقوف على أوضاعه الاعتقالية والصحية، وما يتعرض له من إهمال طبي، ولمعرفة واقع سجن نفحة الذي يقبع فيه.
وُلد الأسير عبد الله إغبارية في مدينة أم الفحم بتاريخ 21/10/1979، وعاش محبًا لبلاده وللحياة. في 1/9/1999 اعتقله الاحتلال، وبعد ستة أشهر، وتحديدًا في 22/2/2000، صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد مرتين، بتهمة تنفيذ عملية مجدو بتاريخ 29/8/1999، والتي أسفرت عن مقتل اثنين في صفوف الاحتلال. ومنذ ذلك الحين، يعيش إغبارية حكمه المؤبد في سجون الاحتلال.
ويُشكّل الأسير عبد الله إغبارية حالة نضالية خاصة إلى جانب 16 أسيرًا آخرين من الداخل المحتل، إذ يُحرمون في كل صفقات المقاومة من إدراج أسمائهم ضمن قوائم الحرية، ويصنّفهم الاحتلال كـ“أسرى شأن خاص”، ولا يعاملهم معاملة أسرى المؤبدات من الضفة الغربية. وكغيره، حُرم إغبارية من الحرية في صفقة “طوفان الأحرار”، ليعود مجددًا إلى انتظار أمل آخر، في وقت يحارب فيه أوضاعًا صحية واعتقالية تُعدّ الأسوأ منذ سنوات.
تؤكد عائلة الأسير عبد الله إغبارية أن أوضاعه داخل الأسر بالغة السوء. ففي تاريخ 3/12/2025، تمكنت العائلة من الاطمئنان عليه عبر زيارة محاميه، الذي نقل لهم رسالة مؤلمة، أكد فيها الأسير أن وزنه وصل إلى 50 كغم، في ظل حرب التجويع التي تمارسها إدارة السجون بحقه وبحق كافة الأسرى. كما أشار إلى أنه لا يتناول أدويته، ويعاني من فقر الدم، إضافة إلى إصابته بمرض السكابيوس منذ فترة طويلة، وقد ازدادت آثاره خلال الشهرين الأخيرين.
وطالب الأسير إغبارية عبر رسالته بإجراء فحص دم عاجل، مشيرًا إلى أنه تقدم مرارًا بطلبات لإدارة سجن نفحة من أجل نقله إلى العيادة وإجراء الفحوصات اللازمة، دون أي استجابة. وأكد أن ما يُسمى بـ“الفورة” لم يعد موجودًا كما كان قبل السابع من أكتوبر، حيث لا يُسمح للأسرى سوى بـ15 دقيقة لقضاء الحاجة، ثم يُعادون إلى الغرف، دون تعرض لأشعة الشمس أو الهواء النقي، في غياب كامل لمقومات الحياة.
وفي رسالته، شدد الأسير عبد الله إغبارية على أن الأوضاع أسوأ مما قد يتخيله أي عقل، وطالب عائلته بالتقدم بشكاوى رسمية للمطالبة بحقوقه الصحية والإنسانية.
وعن أوضاع سجن نفحة، أشار إلى انعدام توفر الملابس، مؤكدًا أنه لا يملك سوى غيار واحد فقط، فيما وصلت النظافة إلى أدنى مستوياتها، ولم تعد مستلزمات النظافة تُقدّم كما في السابق، ولا تكفي كافة الأسرى، في نهج متعمّد لفرض خطر صحي إضافي، إلى جانب الأمراض الجلدية التي تفشت بالفعل في مختلف السجون. أما عن الطعام، فنقل عنه قوله لمحاميه: “الأكل سيئ للغاية… عينات من كل نوع”.
تؤكد عائلة الأسير إغبارية أن أوضاعه قبل الحرب كانت مستقرة نسبيًا، حيث كان يُسمح بإدخال “الكانتينا”، وكانت زيارات الأهالي متاحة، إلا أن كل ذلك تغيّر بعد الحرب، وباتت عائلات الأسرى تجهل متى سينتهي هذا الفصل القاسي من العذاب، ومتى تُرفع حالة الطوارئ التي يستغلها الاحتلال لممارسة القمع والتنكيل بحق الأسرى وقيادات الحركة الأسيرة.
وقد تقدمت عائلة الأسير عبد الله إغبارية بشكوى رسمية وطالبت بعقد محكمة، للمطالبة بحقوقه في العلاج، والطعام، والنظافة. فمنذ 26 عامًا، تحارب العائلة الزمن والانتظار، على أمل أن ينال حريته ويكتب له الخلاص من هذا الألم المتواصل.
ويحب الأسير إغبارية الحياة، كما جميع الأسرى، ويبحث عن أمل يواجه ألمه وانتظاره. وقبل سنوات، طلب من أحد الأسرى من قطاع غزة، الذي كان معتقلاً آنذاك، أن يبحث له عن عروس من غزة ترافقه سنوات اعتقاله، ليعيشا على الأمل. وقد تحقق ذلك، حين التقت أحلامه بأحلامها، وكتب لهما الارتباط عام 2017، وكانت الشابة ياسمين الحرثاني مفتاح الأمل الذي أعاد إلى حياته شيئًا من الفرح. وحتى اليوم، يعيشان معًا على أمل أن تأتي الحرية، طال الزمن أم قصر، ليخطّا فصل اللقاء بعد سنوات طويلة من الصبر والجلد.




