تقارير وحوارات

نحو 50 أسيرة في الدامون يواجهن قمعًا وعزلاً وقطعةً من العذاب الوحشي

تعيش نحو خمسين أسيرة في سجن الدامون حالةً من الرعب الدائم، نتيجة الاقتحامات المتكررة للأقسام. القمع يطال الجميع، وإجراءات التنكيل لم تعد خفيّة، إذ تؤكد شهادات لأسيرات محررات أن الانتقام هو الوجه الحقيقي داخل الأسر بعد حرب السابع من أكتوبر.
تنتهج إدارة سجن الدامون الوحشية أسلوبًا في معاملة الأسيرات؛ فلا أغطية كافية، ولا ملابس تقيهن برد الشتاء، إضافة إلى اعتداءات لفظية وتنكيلٍ مستمر. ويُقدَّم لهن مسكّن واحد كعلاج لكافة الأمراض دون تمييز، حتى في حالات مرض السرطان.

يؤكد مكتب إعلام الأسرى أن الأسيرات في سجن الدامون يُحرمن من أبسط الحقوق، حتى باتت المحررات منهن يصفن السجن بعد حريتهن بـ«القبر». وتعاني الأسيرات من اكتظاظ الأقسام، ونقصٍ في أعداد الأسرة، ما يضطر كثيرات للنوم على الأرض. كما تُحرم الأسيرات من الاحتياجات الأساسية، وتضطر بعضهن لارتداء الملابس نفسها لأشهر طويلة حتى تهترئ. ويُقدَّم لهن طعام قليل ورديء، فيما يُعدّ الماء الذي يشربنه ويستحممن به ملوثًا وباردًا.

تتعمد إدارة سجن الدامون، إلى جانب هذه الانتهاكات، إبقاء الأسيرات في حالة تأهب دائم للقمع والتنكيل، من خلال اقتحامات مفاجئة ليلًا ونهارًا. ويُرش الغاز داخل الغرف وعلى وجوه الأسيرات، ويتعرضن للضرب والسحل من الشعر. وأكدت أسيرات محررات أن إدارة السجون لا تمهل الأسيرة وقتًا لارتداء الحجاب، وحتى إن ارتدته يتم نزعه قسرًا، في صورة إذلال متعمدة يسعى الاحتلال لإبقائها حاضرة داخل سجونه حتى تصبح اعتيادية.

لا تفرّق إدارة السجون بين الأسير والأسيرة في ظروف الاعتقال، إذ تُعتقل الأسيرة في ظروف قاسية تبدأ بعزلها عن أهلها ليلة الاعتقال، ثم نقلها إلى مراكز التحقيق، وإمضائها ليلة في سجن الشارون، التي وصفتها الأسيرات المحررات بـ«عذاب القبر». كما تُبقيها مقيدة بالمشابك البلاستيكية منذ لحظة الاعتقال، وخلال التحقيق، وحتى ليلة الشارون القاتلة.

شهادات لأسيرات محررات
في شهادتها لوسائل الإعلام عقب تحررها، قالت المحررة تسنيم الهمص إن إدارة سجن الدامون تنتهج أسلوب تعامل لا إنساني بحق الأسيرات، حيث يُمنع عدد منهن من ارتداء الحجاب والجلباب، ويُعاملن بوحشية وقسوة، ويُرش الغاز عليهن أثناء الاقتحامات. وأكدت أنها رأت بأمّ عينها كيف تم قمع إحدى الأسيرات حتى فُتح رأسها، ورغم ذلك جرى رشها بالغاز.

كما قالت المحررة شهد حسن، التي أمضت ثمانية أشهر في الاعتقال الإداري، في شهادتها لوسائل الإعلام، إنها تركت خلفها قصصًا لا يعلم بها إلا أسيرات الدامون. وروت كيف جرى عزلها عن عائلتها لحظة اعتقالها، ثم نقلها إلى مركز تحقيق، وتقييد يديها بالمشابك البلاستيكية لساعات طويلة، رغم إصابتها بحروق في يدها، ما تسبب لها بآلام شديدة. وأشارت إلى أنها تركت خلفها الأسيرة المريضة بالسرطان فداء عساف، التي تعيش حالة صحية صعبة، دون تلقي العلاج المناسب.

تصف الأسيرات المحررات حياة الدامون بأنها قبرٌ معزول عن العالم، حيث يُحرمن من معرفة ما يجري خارج السجن. ومع استمرار حالة الطوارئ، تتصاعد الإجراءات التنكيلية بحقهن. فقد رصد المحامي حسن العبادي، خلال زيارته لعدد من الأسيرات، تعرضهن لقمع يوم الجمعة الموافق 5/12/2025، حيث اقتُحم القسم بثلاث قنابل صوت، ثم دخل السجانون والمخابرات والإدارة، واقتحموا الغرف أرقام 5 و6 و7 و8 و9، وأُجبرت الأسيرات على الركوع أرضًا على بطونهن، ورُش الغاز مباشرة على وجوههن، دون مراعاة لمعاناتهن من أزمات تنفسية، كما هي الحال مع الأسيرة سماح حجاوي، المعتقلة منذ 1/4/2025، والتي أكدت أنها شعرت بأن أنفاسها تُسحب منها حتى كادت تموت.

وأكد المحامي حسن العبادي، نقلًا عن شهادة الأسيرة سماح حجاوي، أنه جرى تقييد الأسيرات بالكلبشات إلى الخلف، ثم إخراجهن من القسم بالضرب، وإجبارهن على الركوع في ساحة السجن. كما تعمدت إحدى السجانات ضرب رأس إحدى الأسيرات بالأرض، وجرى تحديد عدد من الأسيرات لرش الغاز على وجوههن بشكل مباشر، إضافة إلى خلع الحجاب عنهن بالقوة، وتفتيش الغرف تفتيشًا دقيقًا. وأصيبت عدة أسيرات بكدمات نتيجة الضرب، فيما أكدت سماح حجاوي أن أوضاع القسم عادت إلى الأسوأ من حيث التشديد والتهديد والشتم والصراخ.

معطيات وأرقام
حتى مطلع شهر ديسمبر الجاري، بلغ عدد الأسيرات من مدينة الخليل وحدها 15 أسيرة، أُفرج عن الأسيرة سامية جواعدة بعد 9 أشهر ونصف من الاعتقال، ليتبقى 14 أسيرة من الخليل. وحتى منتصف شهر أكتوبر من العام الجاري، بلغ عدد الأسيرات المعتقلات إداريًا 12 أسيرة، فيما بلغ عدد الأسيرات المعاد اعتقالهن 6 أسيرات.

أقدم الأسيرات
تنحدر أقدم أسيرتين في سجون الاحتلال من الداخل المحتل، حيث تضطلعان بدور استقبال وتوديع الأسيرات الجدد.
تحرم سلطات الاحتلال الأسيرة شاتيلا أبو عيادة (32 عامًا) من كفر قاسم من حقها في الحرية، ولم يُدرج اسمها في صفقة «طوفان الأحرار» رغم الإفراج عن باقي الأسيرات، وهي تقضي حكمًا بالسجن الفعلي لمدة 16 عامًا منذ اعتقالها عام 2016.

كما تحرم الأسيرة آية الخطيب (35 عامًا) من قرية عرعرة في الداخل المحتل من حريتها، في ملف اعتقال انتقامي، إذ اعتُقلت سابقًا بتاريخ 17/2/2020 لمدة عامين، ثم حُولت إلى الحبس المنزلي، قبل أن يُعاد اعتقالها وتنفيذ حكم بالسجن الفعلي لمدة أربع سنوات، ولا تزال تقضي محكوميتها حتى اليوم.

القاصرات والجدّات
تتفاوت أعمار الأسيرات في سجون الاحتلال، ولا يزال سجن الدامون يحتجز الأسيرتين القاصرتين سالي صدقة (17 عامًا) من رام الله، والتي جرى تأجيل محاكمتها عدة مرات حتى تاريخ 26/1/2026، وجرى انتزاعها من التعليم وحرمانها من التقدم لامتحانات الثانوية العامة، والأسيرة هناء حماد (17 عامًا) من الخليل، التي صدر بحقها قرار اعتقال إداري دون مراعاة لحداثة سنها، وحُرمت كذلك من أداء امتحانات الثانوية العامة.

كما يعتقل الاحتلال أسيرات من كبار السن، من بينهن الأسيرة كرم محمد موسى (54 عامًا)، وهي أم لأربعة أبناء وجدّة لخمسة أحفاد، اعتُقلت بتاريخ 25/2/2025، ولا تزال موقوفة بانتظار محكمة جديدة. وتعمل موسى معلمة منذ 28 عامًا، دون أن يُراعى عمرها أو وضعها الإنساني عند الاعتقال.

إلى جانبها، تعتقل سلطات الاحتلال الأسيرة حنان البرغوثي (60 عامًا) من بلدة كوبر قضاء رام الله، والتي تواجه ملف اعتقال إداري متجدد، بعد إعادة اعتقالها عقب تحررها في صفقة «طوفان الأحرار» بتاريخ 30/9/2025، حيث صدر بحقها قرار اعتقال إداري لمدة ثلاثة أشهر، إضافة إلى ثلاثة أسابيع أخرى.

الأسيرات المريضات
تعاني الأسيرات في سجون الاحتلال من سياسة الإهمال الطبي، وتُعد قضية الأسيرة فداء عساف (47 عامًا) من بلدة كفر لاقف في قلقيلية، والمعتقلة منذ 24/2/2025، من أبرز الحالات المرضية، إذ تعاني من سرطان الدم الذي تفاقم في الآونة الأخيرة. وقد أظهرت الفحوصات ارتفاعًا كبيرًا في مؤشرات الورم، ومع ذلك لا تتلقى العلاج المناسب، وتكتفي إدارة السجون بإعطائها مسكنات للألم، في سياسة إذلال متعمدة.

وتحتاج الأسيرة عساف إلى متابعة طبية عاجلة داخل مستشفى متكامل، فيما يتعمد الاحتلال تأجيل محاكمتها دون مراعاة لوضعها الصحي، ولا تصل عائلتها أي معلومات عن حالتها إلا عبر أسيرات محررات، وسط تأكيدات على تدهور وضعها الصحي، ما يستدعي تدخلًا فوريًا من المؤسسات الحقوقية والإنسانية للإفراج عنها.

إلى جانبها، جدد الاحتلال مؤخرًا الاعتقال الإداري للأسيرة سهير زعاقيق (45 عامًا) من الخليل لمدة أربعة أشهر، وكانت قد اعتُقلت بتاريخ 18/11/2025. وتعاني زعاقيق من مرض السرطان وكتل حميدة، وكانت بصدد إجراء عملية جراحية لاستئصال الرحم قبل اعتقالها، وتعاني من نزيف دائم، وتحتاج إلى رعاية طبية غير متوفرة داخل سجن الدامون.

الصحفيات
حتى الصحفيات لم يسلمن من الاعتقال، حيث يواصل الاحتلال اعتقال الأسيرة الصحفية فرح أبو عياش (25 عامًا) من الخليل، والتي تعرضت لأقسى صنوف التعذيب. فقد جرى احتجازها في غرفة مهجورة مليئة بالحشرات التي تسلقت وجهها وجسدها، وكانت الغرفة معتمة في سجن الرملة، ثم احتُجزت في زنزانة تحت الأرض، وأعيدت لاحقًا إلى المسكوبية، حيث أُغمي عليها عدة مرات بسبب البرد، وفق شهادة نقلها المحامي حسن العبادي. وبعد 55 يومًا من العذاب، نُقلت إلى سجن الدامون.

وأفادت الأسيرة الصحفية أبو عياش بأنها تعرضت لما وصفته بـ«فيلم رعب» في المسكوبية، حيث جرى تجريدها من حجابها، وتقييدها، ووضع جنزير ثقيل على كتفيها، وضربها، وإجبارها على تقبيل علم الاحتلال، وعندما رفضت تعرّضت للضرب مجددًا. وفي سجن الدامون، لا تزال فرح أبو عياش، كغيرها من الأسيرات، تعاني من سياسة التجويع والقمع والتنكيل المستمرة.

بواسطة
إعلام الأسرى
زر الذهاب إلى الأعلى