الأسيران محمود أبو حربيش وجمعة آدم… 37 عامًا في مقابر النسيان والتنكيل

منذ عام 1988 يرقبان أبواب الزنازين، ينتظران حق الحياة والحرية، ويحملان في داخلهما قصصًا من الصبر لم يعهد لها أحدٌ مثيلًا. يتشاركان ذات التاريخ وذات التنكيل، وفي كل مرة يُحرمان من إدراج اسميهما في صفقات الحرية، حتى مضت ثلاثة عقودٍ من الانتظار، وأورثهما الاعتقال جملةً من الأمراض، والفقد، والأحلام المسلوبة.
الأسير محمود سالم أبو حربيش (60 عامًا) والأسير جمعة إبراهيم آدم (57 عامًا) من سكان محافظة أريحا، اعتقلهما الاحتلال بتاريخ 31/10/1988، وأصدر لاحقًا حكمًا بالسجن المؤبد بحقهما. اليوم يُعتبر الأسيران من أقدم الأسرى في سجون الاحتلال، إذ جرى اعتقالهما قبل توقيع اتفاقية أوسلو، ولم ينل أيٌّ منهما حريته في أيٍّ من الصفقات التي أبرمتها المقاومة.
اعتُقل الأسيران أبو حربيش وآدم بتهمة تنفيذ عملية “الباص”، حيث قاما بإحراق حافلة تقل جنودًا للاحتلال، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد منهم. وعلى إثر ذلك، خضعا لتحقيقٍ قاسٍ استمر 70 يومًا، هدف الاحتلال خلاله إلى تصفيتهما بالضرب والتنكيل، قبل أن يُصدر في النهاية حكمًا نهائيًا بحقهما بالسجن المؤبد.
في المرحلة الأخيرة من صفقة طوفان الأحرار، كتبت ابنة الأسير أبو حربيش أن والدها قال: “إن لم أنل حريتي في هذه الصفقة، فهذه هي النهاية”. وقد أُصيب أبو حربيش بعدة أمراض خلال فترة اعتقاله، إذ يعاني من مشكلات في القلب أدّت إلى عدم انتظام نبضاته، إضافة إلى أمراض مزمنة، منها ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول والدهون، ومشاكل في فقرات العمود الفقري، ومشاكل في القولون، وأخرى في النظر. وفي عمره الستيني، لم يعد يحتمل ما يتعرّض له من تنكيل وتجويع داخل سجون الاحتلال.
الأسير أبو حربيش متزوج، ولديه ابنة وحيدة تُدعى أسماء. كانت في عمر أربعة أشهر حين جرى اعتقال والدها، واليوم تبلغ من العمر 38 عامًا، تزوجت وأنجبت أطفالًا لا يعرفهم والدهم إلا عبر الصور. كانت في الثامنة من عمرها حين استطاعت أن تلمس يده في آخر زيارة لها. وقد ناشدت الوفد المفاوض إدراج اسم والدها ضمن صفقة طوفان الأحرار، مؤكدة، إضافة إلى أمراضه، إصابته بضعف السمع، وأن وزنه قبل الحرب كان 88 كغم، وأصبح خلال فترة الحرب، بفعل سياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال بحق الأسرى، نحو 40 كغم.
دخل الأسير أبو حربيش عامه الـ38 في الاعتقال نهاية شهر أكتوبر الماضي. فقد خلال أسره والده وشقيقه، وعاصر جميع محطات الحركة الأسيرة، وشارك في معارك الأمعاء الخاوية، ويعيش اليوم واحدة من أسوأ الفترات في تاريخ الحركة الأسيرة، في ظل التنكيل المستمر، والقمع الممنهج، والعزل التام، وغياب الأخبار، ومنع زيارات الأهالي والمنظمات الحقوقية والطبية.
وخلال سنوات أسره، تمكن الأسير أبو حربيش من إنهاء شهادة الثانوية العامة، ثم واصل تعليمه داخل الزنزانة، وحصل على شهادة البكالوريوس، ومن ثم شهادة الماجستير، ولا يزال طيف الحرية يجول في مخيلته، منتظرًا أن يجتمع بابنته وعائلته التي لم تملّ يومًا من الانتظار والصبر.
ولا تختلف كثيرًا قصة الأسير جمعة آدم عن قصة الأسير محمود أبو حربيش. فكلاهما من المدينة ذاتها، ومن الوطن ذاته، واعتُقلا في اليوم ذاته، وحُكم عليهما الحكم نفسه، ولا يزالان ينتظران الحرية.
فقد اعتقل الاحتلال الأسير جمعة آدم وهو في التاسعة عشرة من عمره، وتعرّض لذات التعذيب والتنكيل خلال فترة التحقيق، وصدر بحقه الحكم ذاته. ويعاني هو الآخر من مجموعة من الأمراض. ولم يكن هذا هو الاعتقال الأول في حياته؛ فقد اعتُقل عام 1986 للمرة الأولى، وقضى آنذاك سبعة أشهر في الأسر، وبعد ثلاثة أشهر من تحرره اعتُقل مرة ثانية، ولا يزال منذ ذلك الحين رهن الاعتقال المؤبد.
تعلّم الأسير جمعة آدم معنى العصامية مبكرًا، إذ توفي والده وهو لا يزال طفلًا. وخلال فترة سجنه، أنهى مرحلة الثانوية العامة، ثم حصل على شهادة البكالوريوس، وكان يدرس من أجل نيل شهادة الماجستير أيضًا. وقد حُرم من زيارة شقيقه مراتٍ عدة قبل الحرب، فيما تعيش اليوم بقية أفراد عائلته في المهجر. ومع استمرار حالة الطوارئ في سجون الاحتلال، انقطعت أخباره، كما توفيت والدته أثناء فترة أسره، دون أن تتاح له فرصة وداعها.




