أسرى غزيين: يا يما الفرح ما دق بابنا.. أنا مش مروح!

أسرى غزيين: يا يما الفرح ما دق بابنا.. أنا مش مروح!
هانت.. تبقى القليل فقط، أيامٌ معدودة أقل من أسبوع على انتهاء مدة حكمي، وأخيرًا سأتنفس هواءً نقيًا صافيًا، وسأضم طفلتي التي غدت عروسًا بعد غياب استمر ما يزيد على عقدٍ من الزمن!، ينتظر هذا الأسير الغزي مناداة السجان له، ليهرع من فوره إلى غرفة إدارة السجن، لا يسير سيرًا عاديًا بل روحه تطير ليستلم قرارًا بالإفراج عنه، فحكمه ولله الحمد انتهى، ويعود إلى غرفته؛ ليستقبله رفاقه في الأسر بحفلة وادع “ع الديق” بما تجود به نفوسهم الزاخرة بكل الخير.
يدخل الغرفة وبيده ورقة الإفراج يصيح بصوت منخفض: “يا شباب أنا مروح”، لتبدأ التهليلات والتكبيرات والمباركات، وفي جانب من الغرفة أعد بعض الأسرى حلوى بسيطة وفق ما توفر لهم من مواد قليلة، لا يتركون الأسير الغزي المروح في حاله، فهذا له قريب يريد إرسال سلام له، وهذا يريد أن يعرف أخبار عائلته، وهذا يحمله أمانة لأقاربه، يمضي وقت الوداع سريعًا، ليعقبه انتظار من نوع آخر.
بعد السلامات والتبريكات والوداع يحمل في يده قطعة خشب صنع منها سفينة صغيرة، وإسوارة من الخرز ليهديه لابنته، وأي أسير غزي على اختلاف مكان سجنه، يمكث قبيل الإفراج إما في معبار سجن بئر السبع أو معبار سجن عسقلان، تمهيدًا للإفراج عنه في اليوم الموعود ونقله إلى حاجز بيت حانون -معبر إيرز- شمال قطاع غزة.
وهناك يصل إلى أرضه ووطنه، ويقبل قدمي والدته، ورأس والده، ويتلقف ابنته في حضنه، ويغمر زوجته بنظرات المودة والحب، ويلقى عائلته، ثم ينتقل بزفة عرس فلسطيني وصولاً إلى منزله المزين، وفي استقباله الأهل والجيران والأحباب، ومكبرات الصوت تصدح بالأناشيد والأهازيج: “هيو روح بطلنا”.
مشهد الأسير الغزي المروح بتفاصيله سابقة الذكر، لم يعد متاحًا مع الأسف لعدد من الأسرى الغزيين اعتقلوا قبل سنوات من بدء حرب الإبادة على قطاع غزة في أكتوبر 2023، وانتهت محكومياتهم خلال العامين الماضيين، لكنهم ما زالوا يقبعون في سجون الاحتلال دون أي مبرر قانوني يتيح استمرار احتجازهم.
لا يقدم الاحتلال أي مبرر لعدم الإفراج عنهم رغم انتهاء مدة الحكم، ويتعلل أن قانون حالة الطوارئ مفعل لديه بحجة حرب الإبادة على قطاع غزة، وبناء على ذلك حوّلهم لاستمرار الاعتقال مجددا تحت بند “مقاتل غير شرعي” وهو بند استحدثه لأسرى غزة لاعتقالهم دون تهمة على غرار الاعتقال الإداري لأسرى الضفة الغربية والقدس المحتلتين، حيث يتم الاعتقال بذريعة وجود “ملف سري”، ويقضي المعتقل حكمًا بالسجن دون لائحة اتهام!
هذا الاعتقال والاحتجاز خارج إطار القضاء في مخالفة مباشرة وصريحة للقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة التي تؤكد بوضوح أن المعتقل يجب الإفراج عنه فور انتهاء مدة العقوبة، ويؤكد القانون الدولي أن استمرار احتجاز أي إنسان بعد انتهاء محكوميته هو عمل غير مشروع، وجريمة حرب، وانتهاك لروح العدالة التي تُفترض أن تكون أساس أي نظام قضائي.
الأسير محمود جاسر عواد العطاونة، من شمال غزة اعتقل في 06/04/2016، وحكم عليه الاحتلال بالسجن 9 سنوات وانتهت مدة حكمه، إبريل 2025، لكن حتى اللحظة لم يضف لاسمه لقب المحرر!!، وهو متزوج وأب لولدين، ويعاني من الغضروف وأزمات صحية متعددة، ولم تستطع العائلة زيارته خلال مدة سجنه على الإطلاق في سجن عوفر، وخلال حرب الإبادة قصف الاحتلال منزله واستشهد شقيقه، ولا تدري عائلته إن بلغه هذا النبأ أم لا؟
ولا يختلف عن حاله، حال الأسير محمد يوسف إبراهيم القدرة من خانيونس جنوب قطاع غزة، والذي اعتقل في 20/07/2014، ليقضي حكمًا مدته 11 سنة انتهت في يوليو 2025، وهو المتزوج وأب لابنتين، ولا تعرف عائلته أي معلومات عن وضعه كون آخر زيارة له في سجن نفحة كانت في العام 2016 أي منذ 9 سنوات دفعة واحدة، وخلال حرب الإبادة قصف الاحتلال منزله وتوفيت ابنته!
وكذلك حال الأسير مجدي ممدوح عطية سالم، الذي اعتقل في 24/08/2015، وحكم بالسجن 9 سنوات انتهت في أغسطس 2024، وهو متزوج وأب لخمسة أولاد وبنتين، ويعاني من آلام في القدم والتهابات الجيوب الأنفية، ولا تعرف عنه عائلته أي معلومات منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة، فعائلته زارته آخر مرة في عام 2018، وخلال حرب الإبادة هدم منزل العائلة واستُشهد ابن أخيه.
أما الأسير هشام حسن عبد حرارة، فهو اعتقل في 27/12/2015، وقضى حكمًا بالسجن مدته 9 سنوات انتهت في ديسمبر 2024، وهو متزوج وأب لثلاثة أولاد وأربع بنات، ويعاني من كسر في مفصل الكتف وفتاق والتهابات الجيوب الأنفية وآلام حادة في الأسنان، وزارته عائلته آخر مرة في عام 2018، ولا تتوفر لعائلته أي معلومات عنه منذ بداية حرب الإبادة، وأما عن عائلته فقد هدم المنزل كليًا خلال الإبادة، وتوفيت والدته، واستُشهد عدد من أفراد عائلته.
والأسير أحمد بلال محمود أبو النور، اعتقل في 2021، وهو متزوج وأب لطفلين، لم يفرج عنه حتى الآن رغم انتهاء حكمه، ويعاني من أمراض في المعدة، وحرمه الاحتلال زيارة العائلة منذ اعتقاله، وتعرض منزله لقصف وأضرار بالغة خلال حرب الإبادة.
هذه القصص لأسرى غزيين “مش مروحين” حتى اللحظة، ساعة الفرح مؤجلة لما يزيد عن 30 أسير غزي، انتهت محكومياتهم، ممنوعين من الزيارة، ولقاء العائلة، لا تعرف عوائلهم عنهم أي معلومة منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة، ولا يعرف الأسرى نفسهم ما لحق بعوائلهم من مصاعب ومتاعب خلال الحرب.
32 أسير غزي “مش مروح” يقبعون في سجون الاحتلال، في حالة فراغ قانوني لا يعرفون مصيرهم!
لا يعرفون ما حلّ بعوائلهم من قصف وتشريد ونزوح وجوع وخوف خلال عامين من حرب الإبادة!
لا تعرف عوائلهم كيف مر عليهم عامي الحرب مع تصاعد الإجراءات الانتقامية بحق الأسرى في السجون!
ماذا يعني تحويلهم للاعتقال وفق قرار “مقاتل غير شرعي”؟ إلى متى سيؤجل الفرح دق بابهم وباب عوائلهم؟
هل يملك المتشدقون بالحديث عن حقوق الإنسان سطوة إجبار الاحتلال على احترام القانون والإفراج عنهم لانتهاء مدة حكمهم؟
تساؤلات كثيرة تضرب عقول الأسرى الغزيين “الي مش مروحين” وعقول عوائلهم.. ولا مجيب!!!




