لم يعد يخفى على أي أحد أن تعامل الاحتلال مع الأسرى الفلسطينيين لم يعد يميز بين أنثى أو ذكر طفلٍ أو كهل شابٍ أو مريض، الاحتلال يمارس ذات العقلية الإجرامية بحق الأسرى الفلسطينيين على حدٍ سواء، وبين هذا وذاك تضيع طفولة الأسرى في مراكز التحقيق وفي الجيبات العسكرية لدى الاعتقال وبدء حفلة الضرب الترحيبية وأثناء المحاكم وداخل السجون أيضاً وحتى بعد الحرية في ظل الآثار النفسية التي تترك لديهم حال خروجهم من السجون.
ليس أدل على حجم المعاناة التي تواجهها الطفولة المعذبة في سجون الاحتلال من الطفل المحرر محمد أحمد حمد(16عاماً) سكان قرية تل، قضاء مدينة نابلس، الذي نال منذ أيام حريته من سجون الاحتلال بعد 13 شهراً من الاعتقال، محمد ظهر كهيكلٍ عظمي يتكأ على ذويه اللذين لابد واجهوا صعوبةً كبيرةً في التعرف عليه، فقد اختلفت ملامحه كلياً ولم يعد ذات الشخص، والفترة التي قضاها هي قرابة العام فقط ولكنها كانت كفيلة أن تعيده لعائلته بوجهٍ شاحب ووزنٍ منخفض، وجهه قد اختلف عما كان عليه أما عن ظروفه النفسية فلا أحد يعلم ما مر به من تجويع وتنكيلٍ داخل السجون في الوقت الذي كان لابد له أن يكون خلف مقاعد الدراسة يلاحق أحلامه وطموحاته.
ومن مدينة القدس، شكلت شهادة المحرر أيهم نواف السلايمة(15عاماً) صورة واقعية لحجم التنكيل الذي تتعرض له الطفولة في سجون الاحتلال، وبخاصة الطفلوة المقدسية، أيهم السلايمة اعتقله الاحتلال بشهادة والده من منزلهم تمام الساعة الرابعة والنصف من تاريخ 17/5/2023، وتم إحالته للتحقيق ثم صدر بحقه قرار حبس منزلي مدته 18 شهر ونصف وكان يخضع لمحاكم وصلت ل20 محكمة، وبعد هذه لفترة حكم عليه بالسجن الفعلي مدة عام وغرامة مالية بقيمة 6000 شيقل.
أيهم خرج للحرية بوجهٍ شاحبٍ أيضاً ولكن أكثر ما أرهق نفسيته هو قيام السجان بحلاقة شعره رغماً عنه، الطفل الجميل كان يرغب أن يخرج لعائلته بشعره ويفرح بحريته وبأخذ والده له للحلاق بنفسه لكن الاحتلال وقبل أيام من الإفراج عنه عمد إلى حلاقة شعره بشكل كلي، أما عن الإيذاء الجسدي فقد أكد والده بأنه تعرض للأذى والضرب والتنكيل وقد أشار إلى وجود كدمات على يده وكسر في مفصل أحد أصابعه، وكانت إدارة السجون تعمد لقمعه رفقة الأسرى بشكل دوري يصل أحياناً لمرة كل أسبوع، علاوةً على أنه كان يقدم له طعام رفقة الأسرى معه في ذات غرفته يكفي فقد لأسيرين لكنهم كانوا 9 أسرى يتشاركون ذات الكمية الضئيلة والتي لم تكن كافية لإشباع اثنين منهم.
الأسيرتين القاصرتين سالي محمد عودة(١٧ عاماً) من سكان قرية المدية، قضاء رام الله، والمعتقلة منذ تاريخ ٥/١/٢٠٢٥، والأسيرة المعتقلة إدارياً هناء نعيم حماد(١٧عاماً) من سكان مخيم العروب في الخليل، المعتقلة منذ تاريخ ٩/٦/٢٠٢٥، كانتا طالبتان في الصف الحادي عشر الفرع العلمي كلٌ في محافظتها، اليوم هناء وسالي أسيرتين يريان فصولاً من القمع لا يجدر بطفلتين في أعمارهما أن تريا كل هذا.
شهادات الأسيرات اللواتي يتمكن المحامون من زيارتهم تؤكد على أن الاحتلال يمارس سياسة التنكيل والقمع ورش الغاز والتفتيش الدوري بحق الأسيرات إضافة إلى قلة الطعام المقدم لهن، وعدم توفر المواد الصحية ومواد النظافة وتركهن عرضة للبرد ولأمراض، وفي هذه البيئة تعيش طفلتين لا ذنب لهما بكل هذه المعاملة.
كما أن الطفلة هناء حماد تخضع لاعتقالٍ إداري في صورة تنافي كل معالم حقوق الإنسان، حيث جرى تحويل ملفها إلى الاعتقال الإداري، وقد تعرضت في ليلة اعتقلها لتحقيق ميداني رفقة والدتها، وفي هذا السن حرمت من كافة أحلامها إضافة إلى إحالتها لملف دون سقف ودون وجود تهمة في الوقت الذي تعاني فيه الأسيرات في سجن الدامون من القمع المتكرر وملاحقتهن بكاميرات المراقبة في كل مكان.
هناء وسالي كان يجب أن تكونا على مقاعد الدراسة وأن تنهيا مرحلة الثانوية العامة وتفكران في هذا الأيام بالدراسة الجامعية وما سيؤول لهما المستقبل اليوم تتواجدان في غرفة رفقة أسيرات أخريات بانتظار حرية قريبة ستترك لهما ذكريات سيكون من الصعب عليهما أن تتجاوزا تفاصيلها وحجم الأمل فيها.
الاحتلال لا يعتدي على طفولة الأسرى بالاعتقال فقط بل بالتحقيق الذي لا يعلم فصوله أحد وبدءاً من لحظة سلبه من فراشه ومقعد دراسته وأخذه إلى الجيب العسكري حيث يتم هناك إعطائه جولة ترحيبية من الضرب دون مراعاة لطفولته حيث يتعامل معه الجنود كما لو كان رجلاً، ويقابلون طفولته بالضرب بأعقاب أسلحتهم، ولا يملك ذوو الأسرى الأطفال أن يدافعوا عن أبنائهم لدى الاعتقال، وتضطر الأمهات أن يودعنهم إلى أجلٍ لا يعرفن متى ينتهي.
اليوم تؤكد مؤسسات الأسرى على أنه وتزامناً مع اليوم العالمي للطفولة فقد بلغت اعتداءات الاحتلال بحق الأطفال ذروتها، فهناك نحو 350 طفلاً موزعون ما بين مراكز التحقيق والاعتقال والتوقيف منهم طفلتان أسيرتان، فمنذ حرب الإبادة على قطاع غزة وإعلان حالة الطوارئ في سجون الاحتلال استشهد طفل أسير في سجون الاحتلال جوعاً، واعتقل أكثر من 1630 طفلاً من الضفة وقطاع غزة.
ويعيش الأطفال الأسرى خلال فترة اعتقالهم حالة من العزلة عن العالم الخارجي في الوقت الذي يستمر فيه منع الأهالي من حق الزيارة، فوالد الأسير المحرر أيهم سلايمة أكد على أنه لم ير ابنه خلال اعتقاله لعام كامل ولم يعرف كيف تغيرت ملامحه إلا بعد حريته، ولم يكن يملك حق إرسال ملابس أو أي شيء له في معتقله.
الأسرى الأطفال يمرون بكل محطات الاعتقال كما لو كانوا رجالاً يتعرضون للتحقيق بل ويبلغ التحقيق معهم انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان حيث يتم انتزاع اعترافات قسراً منهم دون مراعاة أعمارهم التي لا يقدرون فيها حقوقهم، ويتم إخضاعهم للتوقيف في مراكز التحقيق لأيام وساعات طويلة قبل أن يتم نقلهم للسجون وعرضهم على المحاكم ومنعهم من زيارات الأهل، وفي الوقت الذي تذوب قلوب الأمهات كمداً على أسراهن في سجون الاحتلال فإن أمهات الأطفال الأسرى لا يمارسن طقوس الحياة بشكلٍ عادي ولا يذقن طعم النوم منذ اللحظات الأولى لاعتقالهم وحتى ما بعد حريتهم ومتابعة حالتهم النفسية التي تعكسها سنوات الاعتقال عليهم.
اليوم لا تملك مؤسسات الأسرى أرقاماً صريحة لأعداد الأطفال من قطاع غزة اللذين تم اعتقالهم خلال حرب الإبادة هناك، ولكنها تؤكد على أن الاحتلال مارس بحق الأطفال جميعاً اللذين تعرضوا خلال هذه الفترة بشكل خاص صوراً من الجرائم المنظمة ومنع الزيارات والإخفاء القسري فيما يتعلق بأطفال غزة، وتضرب إدارة السجون بعرض الحائط القوانين الدويلة والحقوقية للطفل وتعاملهم معاملة الأسرى البالغين تماماً على مرأى من الأمة جمعاء.