حق اللقاء المسلوب: حين يصبح حضن الأسير رفاهيةً محرّمة على عائلته
تقرير/ إعلام الأسرى

يسلب الاحتلالُ الأسرى المحررين حقَّ العودة إلى أوطانهم، كأن عشرات السنين التي قضوها خلف القضبان لم تكن جزءًا من حياتهم. فما إن ينالوا حريتهم، حتى يُدفَع كثيرٌ منهم إلى منفى قسري خارج البلاد. ورغم أن أبواب السجن تُفتح أخيرًا، إلا أن الحرية الكبرى—حرية اللقاء بعائلاتهم—تبقى محجوبة لعدد كبير منهم، لتغدو الأحضان واللقاءات حلمًا بعيدًا، ورفاهية مطاردة، تُثقل قلوب الأسرى وأهاليهم على حد سواء.

وفي المنفى الجديد، يجد الأسير نفسه يغرق في بلاد احتضنته ومنحته حياة جديدة، لكنه مضطر أن يفتتح فيها صفحات لا تشبه بيته ولا ملامح من يحب، منتظرًا لحظة لقاء مؤجلة لعلها تكتمل بها الولادة الثانية.

منذ انتهاء مراحل صفقة طوفان الأحرار حاولت عائلاتٌ كثيرة السفر مرة ومرتين وثلاثًا للقاء أبنائها المحررين والمبعدين إلى مصر، لكن الاحتلال جلدهم بسوط آخر من سوط التعذيب؛ إذ صار أسيرهم في فضاء الحرية، لكنهم محرومون من رؤيته. وكأن الاحتلال يطارد الحقَّ الأخير في سلسلة الحقوق الإنسانية، ويضع الأسرة أمام حرية منقوصة، تعيد تدوير الألم من شكلٍ إلى آخر.

ورغم ذلك، لم يستسلم الأسرى المحررون لقدَر المنفى؛ بل صنعوا لأنفسهم مجتمعًا صغيرًا، يساند فيه الأسرى الذين ذاقوا شيئًا من الحرية إخوانهم الجدد، ويملأون فراغ العائلة عنهم، حتى لا يشعر أحد بأن الغياب يطحنه وحده.

مكتب إعلام الأسرى عاين عددًا من حالات منع سفر عائلات الأسرى المُبعَدين، للوقوف على تفاصيل ما بعد الحرية، وكشف وجه آخر من وجوه ظلم الاحتلال الذي يلاحق الأسير حتى بعد خروجه من الزنازين، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان ومحاولة لتحجيم مشاعر الأسرى وعائلاتهم وإبقائها رهينة الشوق الذي لا ينطفئ.

المحرر عز الدين حمامرة… 21 عامًا من السجن وحرمان جديد من اللقاء

المحرر عز الدين حمامرة من بلدة حوسان في بيت لحم، نال حريته بعد 21 عامًا من الاعتقال، وكان محكومًا بالسجن المؤبد 9 مرات. ورغم خروجه، فإن الاحتلال منع أسرته من السفر إلى مصر للقائه.

تقول شقيقته: "كل العائلة من الدرجة الأولى ممنوعون من السفر إلى مصر. حاولنا جميعًا مرتين: أمي، أخي، ونحن شقيقاته، وفي كل مرة كان يتم إرجاعنا. شقيقتي شيرين لا تزال معتقلة في سجن الدامون، راضية بقضاء الله. والحمد لله أن لنا أقاربًا في الخارج استطاعوا احتضانه بدلًا عنا، أما نحن—الأقارب من الدرجة الأولى—فما زلنا محرومين من هذا الحق حتى اليوم."

عز الدين علم وهو في طريقه إلى القاهرة بنبأ اعتقال شقيقته شيرين، وقال إن ما حدث لها هو ما يحدث لكل نساء فلسطين، وإنها "شقيقة الرجال" التي يعرف قوة صبرها وجلَدها. أما شيرين فسمعت بخبر حريته خلال محكمة عقدت لها بتاريخ 17/10/2025.

باهر بدر… 21 عامًا من الأسر و"عودة" الأم من الجسر

من بيت لقيا في رام الله، نال المحرر باهر بدر حريته ضمن الصفقة بعد 21 عامًا من الاعتقال. وهو شقيق الأسير بهيج بدر المحكوم بالسجن المؤبد 15 مرة. لكن عائلته مُنعت أيضًا من السفر للقائه.

ففي مطلع الشهر الجاري، أعاد الاحتلال والدته الكبيرة في السن—التي تعاني أمراضًا مزمنة—عن الجسر رغم أنها كانت في طريقها لاحتضان نجلها بعد أكثر من عقدين. وقبل ذلك بأشهر، حُرم شقيقه وشقيقته من السفر بالطريقة ذاتها. جميعهم—الأقارب من الدرجة الأولى—حُرموا من حق حضن باهر بعد غياب طال نصف العمر.

الشيخ عبد الرحمن صلاح… حرية من سرير المستشفى بلا عائلة

لم يراعِ الاحتلال حتى الحالات المرضية. فالمحرر الشيخ عبد الرحمن صلاح، الذي نال حريته بعد 23 عامًا من الاعتقال، خرج مباشرة من سجن مستشفى الرملة إلى القاهرة لتلقي العلاج، بينما حُرمت عائلته من الحق في السفر لمرافقته.

تقول ابنته: "نحن على تواصل دائم مع المستشفى والأطباء، ونتابع وضعه الصحي رغم المنع. هناك أناس نثق بهم يتابعون علاجه، وكذلك الإخوة المحررون في مصر الذين لا يتركونه وحده. لكننا نحن، عائلته، ممنوعون جميعًا من السفر، ولا نملك إلا الدعاء والاتصال."

ورغم استقرار وضعه الصحي، إلا أنه بأمسّ الحاجة لوجود عائلته إلى جانبه، بعدما حُرم منهم طوال سنوات الاعتقال. وتناشد عائلته أصحاب الضمائر الحية التدخل للسماح لهم بالسفر ولرؤية والدهم بعد سنوات البعد الطويلة.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020