تتضاعف معاناة الأسرى المحكومين بالمؤبدات؛ بين الإهمال الطبي والتجويع والضرب والتنكيل، وحرمانهم من زيارة المحامين والأهل ومنع العلاج عنهم.
هذا هو عنوان المرحلة التي تعيشها الحركة الأسيرة، بعد أن فقدت معظم إنجازاتها منذ حرب السابع من أكتوبر، فيما يزداد ألم عائلاتهم مع انعدام الأخبار عنهم والاعتماد شبه الكامل على شهادات الأسرى المحررين الذين يقل حديثهم بفعل تهديدات إدارة السجون المستمرة لهم قبل الإفراج.
الأسير محمد حسن عرمان (50 عاماً) من بلدة خربثا بني حارث قضاء رام الله، محكوم بالسجن المؤبد 36 مرة. إنسان بحجم جبل، لا تفيه كلمات الوصف النضالي. اعتقله الاحتلال بتاريخ 18/8/2002، ولم يعش مع زوجته سوى سنوات معدودة لا تكاد تبلغ السنتين، لكنها أثمرت أبناءه سلسبيل وإيمان وبلال، الذين ما زالوا ينتظرون حرية والدهم على أحر من الجمر.
تقول زوجته: "زار المحامي زوجي في أوائل سبتمبر وأخبرنا بأن وضعه الصحي جيد، لكنه خسر كثيراً من وزنه حتى وصل إلى نحو 60 كيلو. لا يزال في عزل سجن مجدو، وكان يعاني من آلام في رقبته خضع بسببها لعملية جراحية، وتحسّن وضعه حينها، كما خضع لعدة عمليات أخرى خلال فترة اعتقاله. حديثاً يعاني من مشاكل في النظر وهو بحاجة إلى نظارة طبية دائمة، لكننا لا نعلم إن كانت إدارة السجون قد صادرتها منه أم لا، ولا نملك معلومات حديثة عن وضعه الصحي".
وتؤكد زوجة الأسير أن الأوضاع الاعتقالية ازدادت سوءاً، فلا تواصل مع الأهل، ولا زيارات للمحامين، وزوجها يتنقل بين السجون منذ اعتقاله حتى استقر في عزل مجدو. وخلال هذه السنوات لم يكن حاضراً في أيٍّ من مناسبات عائلته؛ إذ تزوجت بناته سلسبيل وإيمان وأنجبن، وتزوج ابنه بلال ورُزق بطفل سمّته العائلة على اسم جده "محمد"، ولم تتح للأسير فرصة حضور هذه الأفراح، ولا رؤية أحفاده، ولا ممارسة أبسط حقوقه كجد.
بدأت رحلة اعتقاله الأولى عام 1994 حين قضى سنتين في الأسر، وأفرج عنه عام 1998 وقد رزق ببلال، ثم أعيد اعتقاله وقضى سنة ونصف قبل أن ينال حريته من جديد، لتأتي بعدها إيمان وسلسبيل. وفي 2002 اعتُقل مرة أخرى بتهمة الانتماء لكتائب القسام وقيادة خلية نفذت عمليات نوعية ضد الاحتلال. نُسبت إليه عمليات استشهادية كثيرة، شارك في بعضها وأشرف هندسياً على بعضها الآخر، ورافق الأسيرين إبراهيم حامد وعبد الله البرغوثي في تشكيل خلايا مقاومة كان حلمها تحرير البلاد.
عام 2015 أصبح رئيساً للهيئة القيادية العليا لأسرى حماس، وهو صاحب فكر فذ وعزيمة لم ينل منها الاحتلال شيئاً، حتى وهو خلف القضبان ألّف كتابين: مهندسو الموت ونظرة المقاومة من الداخل.
اليوم يستهدف الاحتلال رمزية القائد محمد عرمان بالتجويع والتنكيل والعزل، في محاولة للنيل منه ومن رمزية قادة الأسرى. ورغم كل ذلك، صمدت زوجته المكافحة وواجهت غياب زوجها الطويل، وزوّجت أبناءها، وحافظت على تماسك العائلة رغم قطع راتبه. ابنها بلال بدوره تعرّض للاعتقال الإداري لنحو سبعة أشهر، ويُمنع اليوم من السفر.
تقول زوجته، برضا واعتزاز: "السنوات التي مرّت دون محمد في موازين أعمالنا لن تضيع، ونرجو أن يكون هذا الابتلاء في سبيل الله، وأن نرى يوماً حريته وحرية كل الأسرى".