القانون الدولي الإنساني تحت المقصلة (5): واقع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال
تقرير/ إعلام الأسرى

منذ عقود يخوض الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال معركة البقاء الإنساني في مواجهة منظومة قمعية تستهدف أجسادهم وأرواحهم.

تتعدد الانتهاكات بين العزل الانفرادي، الإهمال الطبي، التجويع الممنهج، القمع النفسي والجسدي وقطع أخبارهم عن ذويهم.

يشكل الأسرى محمد عرمان ، يحيي الحاج حمد، وصالح منصور نماذج لهذه السياسات، حيث تكشف معاناتهم تفاصيل منظومة عقابية متكاملة تهدف إلى كسر إنسانية الأسير وإضعاف عزيمته في مخالفة صارخة للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.

أولا : الأسير القائد محمد عرمان

العمر: 53 عاماً

السكن: بلدة خربثا بني حارث – رام الله

تاريخ الاعتقال: 18/8/2002 بعد مطاردة استمرت أشهراً طويلة

الوضع القانوني: محكوم بالسجن المؤبد 36 مرة + 50 عاماً إضافية

مكان الاحتجاز: عزل سجن مجدو

الانتماء: من قيادات الحركة الأسيرة – كتائب القسام

أبرز الانتهاكات:

• العزل الانفرادي الدائم: منذ سنوات طويلة، يقبع في زنازين العزل ضيق المساحة والمعتمة، محروم من المخالطة والتواصل الطبيعي مع الأسرى.

• التجويع والإذلال: يتعرض لسياسة التجويع الممنهج بحرمانه من الطعام الكافي والصحي، إضافة إلى الإهانات المتكررة أثناء التفتيش والاقتحامات.

• الحرمان من العلاج: يعاني من مشاكل صحية متراكمة بسبب الضرب المتكرر على جسده وإهمال العلاج اللازم، ما أدى إلى أوجاع مزمنة في الظهر والقدمين.

• الاقتحامات الليلية: تتعمد قوات القمع اقتحام زنزانته بشكل متكرر، مصحوبة بالكلاب والغاز، لحرمانه من النوم وإرهاقه نفسياً.

• الحرمان من التواصل العائلي: منذ أكثر من عامين، لم يُسمح لعائلته بزيارته أو الاطمئنان عليه، ضمن سياسة ممنهجة لعزله عن محيطه الإنساني والاجتماعي.

• استهداف قيادته التنظيمية: يُنظر إليه كأحد أعمدة التنظيم داخل السجون، ما يجعله هدفاً مباشراً لعقوبات الاحتلال المستمرة، ومحاولات كسر إرادته وإضعاف رمزيته.

ثانيا : الأسير يحيي الحاج حمد

العمر: 34 عاماً

السكن: مدينة نابلس – الضفة الغربية

تاريخ الاعتقال: 3/10/2015

الوضع القانوني: محكوم بالسجن المؤبد مرتين و(30) عاماً إضافياً

مكان الاحتجاز: سجن ريمون

أبرز الانتهاكات:

• الحرمان من الزيارة والتواصل: منذ أحداث السابع من أكتوبر يُمنع من زيارة عائلته أو التواصل معها، وكان أول ما سأل محاميه عنه بعد انقطاع طويل: "هل والدتي ما زالت على قيد الحياة؟"، خاصة بعد فقدانه لوالده عام 2017 دون وداع.

• سياسة التجويع: فقد كثيراً من وزنه بسبب تقليص الطعام، ولا يُسمح له إلا بلباس واحد، أسوةً ببقية الأسرى.

• الأوضاع الصحية: أصيب بمرض جلدي (السكابيوس) وتماثل للشفاء لاحقاً، وسط مخاوف من الإهمال الطبي المتعمد.

• العقوبات الجماعية: حُرم من إكمال درجة الماجستير الثانية في الشؤون الإسرائيلية، نتيجة الانقطاع عن العالم الخارجي بعد الحرب.

• العقاب الأسري: أقدم الاحتلال على هدم منزل عائلته عقب اعتقاله، لتتضاعف معاناة ذويه إلى جانب حرمانهم من زيارته.

• استهداف صموده الوطني: رغم الحكم المؤبد وظروف السجن، أنجز خلال اعتقاله العديد من المؤلفات والدراسات، أبرزها ديوان شعري بعنوان "قبلة الأبطال"، ودرجة ماجستير في الاقتصاد الإسلامي، ما يجعله نموذجاً لصمود الأسرى من أصحاب الأحكام العالية.

ثالثا : الأسير صالح منصور

عزل الأسرى

الأسير المؤبد: صالح قنة صالح منصور

العمر: 44 عاماً

مكان السكن: كفر قليل – قضاء نابلس

تاريخ الاعتقال: 22/11/2002 (كان عمره آنذاك 21 عاماً)

الوضع القانوني: محكوم بالسجن المؤبد مرتين إضافة إلى (25) عاماً

مكان الاحتجاز: سجن نفحة

أبرز الانتهاكات:

• الحرمان من التواصل: منذ حرب السابع من أكتوبر انقطعت أخباره كلياً، ولم تزره سوى محامٍ في بداية الحرب. اليوم لا تعرف عائلته أي تفاصيل عن صحته أو أوضاعه.

• سياسة المنع والعرقلة: كثيراً ما تذرّعت إدارة السجون بـ "الحجر الصحي" أو "المنع الأمني" لحرمان محاميه من زيارته، فيما تعيش والدته على أمل أي خبر عنه، خاصة بعد عامين من أصعب سنوات الاعتقال.

• الأوضاع الصحية: يحمل في جسده شظايا منذ إصابته قبيل اعتقاله، لا تزال مستقرة في أماكن حساسة، ويعاني من آلام مضاعفة في الحر والبرد. أطباء السجن رفضوا إزالتها بدعوى خطورتها.

• المعاناة الأسرية: عانت عائلته من التنكيل المتواصل؛ فقد اعتُقل شقيقاه محمد ومحمود لسنوات، وهُدم منزلهم سابقاً، فيما أفنت والدته عمرها في الاعتصامات والوقفات التضامنية وهي تنادي باسمه.

• استهداف صموده الوطني: رغم الحكم المؤبد، التحق بالدراسة داخل السجن، حصل على الثانوية العامة، ثم درجتي البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية، وأتقن اللغتين العبرية والفرنسية. كما شارك في إضرابات الأسرى وحقق إنجازات إلى جانب رفاقه.

• الإبداع الثقافي والفكري: قارئ نهم يلتهم الكتب، أنجز أبحاثاً ودراسات، وكان مثالاً للأسرى الذين حوّلوا السجن إلى ساحة علم وصمود.

الانتهاكات في ضوء القانون الدولي

• المادة (20) من قواعد مانديلا تضمن للأسير الحق في غذاء كاف وصحي، بينما يتعرض القائد محمد عرمان لتجويع ممنهج.

• المادة (91) من اتفاقية جنيف الرابعة تُلزم دولة الاحتلال بتوفير رعاية طبية مناسبة وهو ما يحرم منه الأسير المؤبد صالح منصور بشكل واضح.

الانتهاكات في ضوء القانون الدولي :

• المادة (76) من اتفاقية جنيف الرابعة تُلزم باحتجاز المعتقلين في ظروف إنسانية بينما يحتجز القائد محمد عرمان في عزل قاس.

• المادة (91) من اتفاقية جنيف الرابعة تلزم بتوفير أدوية وعلاج مناسب للأمراض المزمنة لكن الاحتلال يتعمد منعها كما فعل مع الأسير يحيي حاج حمد.

• حرمان الأسير من العلاج يعد بموجب نظام روما الأساسي جريمة ضد الإنسانية باعتبارها "تصفية بطيئة".

انتهاكات الاحتلال للقانون الدولي الإنساني في التعامل مع الأسرى

• رغم وضوح القواعد التي وضعها القانون الدولي الإنساني لحماية الأسرى والمعتقلين، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي حول الأسرى الفلسطينيين إلى ساحة مفتوحة لانتهاك هذه القواعد على نحو ممنهج.

• تنص المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع على حظر التعذيب والمعاملة القاسية، وضمان ظروف احتجاز إنسانية، إلا أن الواقع داخل السجون الإسرائيلية يكشف عن ممارسات مناقضة تماما: عزل انفرادي يمتد لسنوات، حرمان من العلاج حتى الموت، اعتقال إداري دون تهمة أو محاكمة عادلة، وتعمد إذلال الأسرى في تفاصيل حياتهم اليومية.

• كما تؤكد اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 أن أي شكل من أشكال التعذيب النفسي أو الجسدي محظور بشكل مطلق.

• غير أن الاحتلال جعل من التعذيب سياسة ثابتة، تبدأ من لحظة الاعتقال بالضرب والشبح والتحقيق الطويل ولا تنتهي عند الإهمال الطبي المتعمد الذي حصد أرواح عشرات الأسرى منذ بداية الحركة الأسيرة.

• أما القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد نص بوضوح على حق المعتقلين في مراجعة قضائية عادلة وفي معاملة إنسانية تحفظ كرامتهم.

- لكن الاحتلال أفرغ هذه النصوص من مضمونها عبر محاكم عسكرية تفتقر للحد الأدنى من العدالة، وعبر منع الأسرى من زيارة محاميهم أو التواصل مع ذويهم الأمر الذي جعل من الاعتقال أداة عزل تام عن العالم الخارجي.

ورغم التوثيق الواسع لهذه الانتهاكات من قبل المؤسسات الحقوقية والأممية يواصل الاحتلال الإفلات من المساءلة الدولية، ما يعكس حالة انفلات من العقاب ويشجع على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الأسرى.

ويؤكد مكتب إعلام الأسرى في هذا السياق أن ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون "يمثل خرقا صارخا لكل القوانين والمواثيق الدولية، ويكشف عن ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع الدولي مع جرائم الاحتلال، الأمر الذي يجعل حياة الأسرى وكرامتهم الإنسانية مهددة على نحو يومي".

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020