" خلِّيهم يجهّزوا للعرس".. بشرى قواريق تزرع الأمل خلف القضبان
تقرير/ إعلام الأسرى

في سجن الدامون، حيث يغدو الليل بلا ملامح، وتمضي الأيام مثقلة برتابة الحديد، تكتب الأسيرة الفلسطينية بشرى أديب قواريق فصلاً خاصًا من حكاية التحدي والانتظار. مواليد عام 2005، من بلدة عورتا جنوب شرق نابلس، اعتُقلت وهي تحضّر لفصلٍ جديد من حياتها: الزفاف.

كانت ليلة 27 نيسان 2025 حين داهمت قوات الاحتلال منزلها في منتصف الليل. اقتحم الجنود بيتها بوحشية، خلعوا الباب، قلبوا الأثاث، صادروا الهاتف والمحفظة، ثم مدّوا أيديهم نحو خزانة الملابس لمصادرة الفستان لتمزيقه واستخدام شقفة منه لتغطية عينيها أثناء اقتيادها وهي ترتدي "بيجامة كُم" إلى سجن أريئيل، ثم إلى سجن هشارون. تسأل بشرى اليوم، بمرارة ساخرة: "يا هل تُرى الشقفة بالأمانات؟"

في هشارون، كما في كثير من الحالات، لم تسلم من التفتيش المهين، وأصيبت بحساسية وبثور مؤلمة في جسدها – عرض بات مألوفا في أوساط الأسيرات اللواتي مررن عبر هذا السجن في الشهور الأخيرة  لكن إدارة السجن تجاهلت طلبها للعلاج، وصادرت أيضا ملابس الصلاة الخاصة بها.

ثم كانت وجهتها إلى سجن الدامون، حيث الغرف مكتظة، والغذاء رديء، والكرامة تذوب بين التعليمات القمعية. الغيارات القليلة، الكلبشات في الطريق إلى ساحة الفورة، العقوبات الجماعية، والمنع من التنقل بين الغرف تفاصيل يومية تختصر حياة الأسر. تقول بشرى: "اللي بتلفّ بين الغرف بعزلوها"، وتشير إلى الأسيرة كرمل خواجا، المعزولة منذ أسبوع ومحرومة حتى من الخروج للفورة دون سبب واضح.

الليل في الدامون لا يأتي بالهدوء، بل بالسجانين الذين يداهمون الغرف كل نصف ساعة تقريبا، يكشفون الوجوه بالكشّافات، ويجبرون الأسيرات على تغطية رؤوسهن في كل لحظة.

ورغم القسوة، تضحك بشرى من خلف الأسلاك وتقول:

"خلّيهم يجهّزوا للعرس، خلّي وليد يجهّز البيت مروّحة!"

هي تصر على أن لا يتغير الموعد: 27-28 حزيران. الموعد الذي تسكنه الأحلام، لا السجن. تتحدث عن ورداتها في الدار، وتهمس فجأة كأنها تخشى أن تنسى أمنية بسيطة:

"قلهم يسقوا ورداتي بالدار"

ترسل الرسائل كمن يربط قلبه بخيط طويل، يمتد إلى والدتها التي تسكنها، ووالدها المريض الذي تطلب منه أن "يهكلش همّي"، وأن "يدير باله على غسيل الكلى"، وإلى إخوتها وأخواتها، ولا سيما خطيبها وليد، الذي اختصته بوصية خفيفة الظل:"كُل عنّي وعنك، تقلقش علي وخفف الدخان"

حين انتهى الحديث، التفتت بشرى بعفويتها المعتادة، وابتسمت تلك الابتسامة الطفولية التي لم تكسرها القضبان بعد، وقالت:

"وحياتك، تنساش تيجي ع العرس الشهر الجاي."

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020