يُعدّ القرار الجوهري من أبرز المفاهيم في قانون الاعتقال الإداري الذي يطبقه الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين. فالعشرات من الأسرى تُسحب أسماؤهم يوميًا من لوائح الإفراج دون أي اعتبار لحقٍّ قانوني أو إنساني، في سياسةٍ تُعدّ الأسوأ منذ سنوات، وتصاعدت وتيرتها خلال العامين الماضيين.
ويؤكد المحامون أن الاعتقال الإداري بات سُمًّا يلدغ أجساد الأسرى بلا توقف، إذ لم يعد له سقف زمني محدد، فيما تضطر العائلات كل يوم إلى التوجه نحو مراكز الإفراج عبر حواجز الاحتلال، والانتظار حتى ما بعد منتصف الليل، دون أن تظفر بعودة أبنائها إلى أحضانها.
القصة ذاتها تكررت مع عائلة الأسير عدنان ياسين حمارشة (59 عامًا) من بلدة يعبد جنوب جنين، والتي توجهت قبل أيام إلى حاجز الظاهرية لاستقباله، بعد أن بشّرها المحامي بوجود قرار جوهري بالإفراج عنه. لكن العائلة فوجئت لاحقًا بسحب القرار وتجديد اعتقاله الإداري دون سببٍ يُذكر.
يقول مكتب إعلام الأسرى إن قصة الأسير حمارشة تختصر مأساة الاعتقال الإداري التي تنهش أجساد الفلسطينيين منذ سنوات، إذ أمضى في السجون نحو 15 عامًا متفرقة، جلّها تحت هذا البند الجائر، ولا يزال حتى اليوم خلف القضبان.
في شهادتها، تقول عائلته: "انتظرناه بفارغ الصبر، توجهنا إلى حاجز الظاهرية وانتظرناه حتى الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، ثم تواصلنا مع المحامي فأخبرنا أن ننتظر قليلًا، لعلّه يخرج. وبعد طول انتظار عدنا إلى البيت، وفي اليوم التالي علمنا بتجديد اعتقاله الإداري لستة أشهر جديدة رغم وجود قرارٍ جوهري سابق بالإفراج عنه."
تضيف العائلة أن الأسير حمارشة مُقعدٌ على كرسي متحرك، يحتاج إلى مساعدة رفاقه في كل تفاصيل حياته اليومية داخل السجن، ولا يستطيع التنقل بمفرده. وقد أبلغ عائلته بأنه لم يعد يرغب في زيارة المحامين لصعوبة التنقل عبر "البوسطة"، لما يتعرض له الأسرى خلالها من تنكيلٍ وإهانةٍ تفوق طاقة الأصحاء، فكيف بمن أنهكه المرض.
ويقول أسرى محررون من قسمه إن عدنان كان ينتظر حريته بلهفةٍ كبيرة، وكان مستبشرًا بها قبل أن يباغته الاحتلال بقرارٍ إداري جديد.
ففي عام 2014، أُصيب بجلطة دماغية أثناء اعتقاله، أدّت إلى شللٍ نصفي أقعده عن المشي منذ ذلك الحين، لكنه واصل مقاومته بالصبر والثبات. واليوم، لا يزال يدفع ثمنًا باهظًا من عمره وصحته، كما تدفع عائلته ثمن الانتظار الطويل والخذلان المتكرر.
لم تكتفِ السجون بسرقة صحته، بل نهبت أيضًا خمسة عشر عامًا من حياته.
وفي إحدى سنوات اعتقاله كان عدنان حمارشة من أطول الأسرى اعتقالًا إداريًا متواصلًا، إذ أمضى خمس سنوات متتالية تحت هذا البند. واليوم يعاني من هزالٍ شديد نتيجة التجويع والإهمال الطبي، ولا تعرف عائلته على وجه الدقة مقدار ما فقده من وزنه بعد انقطاع زيارات المحامين.
اعتُقل الأسير عدنان حمارشة مجددًا في أكتوبر 2023، ومنذ ذلك الحين يلاحقه شبح الاعتقال الإداري الذي طالت أوامره خمس مرات حتى الآن، فيما تعيش عائلته بين أملٍ مؤجل وليلٍ لا ينقضي.