شهادة الأسير المحرر باهر بدر حول الانتهاكات الجسيمة في السجون الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر 2023


يقدم هذا التقرير شهادة الأسير المحرر باهر بدر، من بلدة بيت لقيا بمحافظة رام الله والبيرة، الذي قضى 21 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي ضمن حكمٍ بالسجن المؤبد، قبل الإفراج عنه في إطار صفقة "طوفان الأحرار" الثالثة.

تمثل شهادته توثيقًا مباشرًا للانتهاكات الجسيمة التي تعرّض لها الأسرى الفلسطينيون داخل السجون الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في أكتوبر 2023، والتي ترقى وفق المعايير الدولية إلى مستوى جرائم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمخالفة لاتفاقيات جنيف.

أولًا: التغيّر الجذري في سياسات إدارة السجون بعد الحرب

أفاد الأسير المحرر باهر بدر أن الأوضاع قبل الحرب كانت تتسم بـ"الاستقرار النسبي"، حيث توفرت الحد الأدنى من مقومات الحياة، وإن بقيت ممارسات الحرمان قائمة. إلا أن إدارة السجون كانت تحاول التظاهر بما وصفه بـ"الإنسانية المزيّفة"، في محاولة لتغطية الانتهاكات القائمة.

غير أن اندلاع الحرب على غزة شكّل نقطة تحوّل حادة في سياسات إدارة السجون، التي أزالت كل مظاهر الضبط القانوني، وأطلقت العنان لعمليات انتقام وتعذيب ممنهجة بحق الأسرى الفلسطينيين.

ثانيًا: الاعتداءات الجسدية الممنهجة داخل السجون

خلال وجوده في سجن ريمون مع بداية الحرب، أفاد بدر بأن وحدات القمع الخاصة (اليماز) اقتحمت الأقسام واعتدت على الأسرى بالضرب المبرح، دون تمييز في السن أو الحالة الصحية، مشيرًا إلى أن أحد المعتدى عليهم كان شيخًا سبعينيًا.

وأوضح أن الأسرى الذين يشغلون مواقع تمثيلية داخل الأقسام كانوا أهدافًا خاصة للانتقام، حيث تعرّضوا للتعذيب الجسدي والإذلال اللفظي المتكرر.

هذه الممارسات تمثل، وفق المادة (1) من اتفاقية مناهضة التعذيب (1984)، تعذيبًا ممنهجًا تمارسه سلطة رسمية لتحقيق غرض انتقامي أو تأديبي.

ثالثًا: نقل الأسرى إلى سجن نفحة وتوسيع سياسات الإهانة

في 25 نوفمبر 2023، تم نقل بدر إلى سجن نفحة، حيث ظهرت أشكال جديدة من العقوبات الجماعية والانتهاكات المنظمة.

وفق إفادته، فُرضت على الأسرى قيود مهينة تمثلت في رسم خطوط صفراء على أرض الغرف، يُمنع تجاوزها أثناء التفتيش، ومن يفعل يُرشّ بالغاز الحارق ويُضرب بالأقدام والعصي وأسطوانات الغاز.

كما كانت الإصابات الناتجة عن هذه الاعتداءات تُترك دون علاج طبي متعمد، وهو ما يخالف بوضوح المادة (3) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر المعاملة القاسية والمهينة، والمادة (10) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على ضرورة معاملة جميع المحتجزين مع احترام كرامتهم الإنسانية.

رابعًا: المعاملة المهينة أثناء النقل للمحاكم

وصف بدر عمليات نقل الأسرى إلى المحاكم أو زيارات المحامين بأنها أقرب لمشاهد العبودية، حيث يتم تقييد أيديهم وأرجلهم بالأصفاد، وربط مجموعات منهم بأسلاك حديدية طويلة، مع تعصيب أعينهم طوال الطريق.

كما تُمارس بحقهم الإهانة اللفظية والمنع من الطعام والماء والحمام لساعات طويلة، ما يشكل معاملة حاطة بالكرامة وفق تعريف اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وأشار إلى أن بعض الأسرى كانوا يطلبون إلغاء نقلهم للمحاكم تفاديًا لهذه الرحلة المهينة، وهو ما يعكس حالة خوف ممنهج ترقى لمستوى الإكراه النفسي والتعذيب المعنوي.

خامسًا: الإهمال الطبي المتعمّد وتفشي الأمراض الجلدية

أشار بدر إلى أن مرض الجرب (السكابيوس) انتشر في معظم السجون في أغسطس 2024، دون أن تبادر إدارة السجون إلى توفير العلاج المناسب، واكتفت بتجارب لأدوية غير فعالة.

تحوّل المرض إلى وسيلة عقابية إضافية، حيث تُرك الأسرى ينزفون جروحًا دامية دون تدخل طبي، ما يمثل إهمالًا طبيًا متعمدًا يخالف المادتين (91) و(92) من اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقتين بالرعاية الصحية للمعتقلين.

سادسًا: سياسة التجويع كأداة للعقاب الجماعي

أفاد بدر أن إدارة السجون فرضت نظامًا غذائيًا قاسيًا بعد الحرب، لا يتجاوز 1200 سعرة حرارية للأسير يوميًا، في حين أن المعدل الأدنى الموصى به طبيًا هو 2200 سعرة حرارية للبالغين.

هذا التخفيض المتعمد في الغذاء يمثل انتهاكًا خطيرًا للمادة (20) من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا)، ويُعدّ تعذيبًا بطيئًا وتجويعًا ممنهجًا.

سابعًا: ظروف الإفراج والمعاملة حتى اللحظة الأخيرة*

ذكر بدر أنه عند بدء الحديث عن صفقات التبادل، جُمّع الأسرى المتوقع الإفراج عنهم في سجن ريمون، حيث تم ربط 68 أسيرًا بحبل واحد وهم مكبلون بالأيدي والأرجل ومبطوحون أرضًا أثناء نقلهم على يد وحدة نحشون، المعروفة بوحشيتها.

تعرضوا للضرب حتى اللحظة الأخيرة قبل خروجهم، ما يبرهن على استمرار سياسة الانتقام حتى لحظة الإفراج.

توصيات التقرير

1. فتح تحقيق دولي مستقل في الجرائم والانتهاكات داخل السجون الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023.

2. إلزام سلطات الاحتلال بتطبيق معايير اتفاقية جنيف الرابعة وقواعد نيلسون مانديلا الخاصة بمعاملة الأسرى.

3. تمكين لجان طبية دولية من دخول السجون وتقديم العلاج للأسرى المرضى والمصابين.

4. تجريم سياسة التجويع والعزل والإهانة كأدوات عقاب جماعي تخالف القانون الدولي.

5. ضمان المساءلة القانونية عبر رفع قضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية باعتبار ما يجري داخل السجون جريمة ضد الإنسانية وجزءًا من منظومة الإبادة الجماعية.

تشكل شهادة الأسير المحرر باهر بدر دليلًا موثقًا على ممارسة الاحتلال الإسرائيلي لسياسة ممنهجة من التعذيب والإذلال والإهمال الطبي والتجويع داخل السجون، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات حقوق الإنسان.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020