لم يعد مصطلح العزل مجرد إجراءٍ عقابيٍّ يُبقي الأسير وحيدًا خلف الجدران، بل تحوّل إلى سياسةٍ تعكس جوهر الجريمة التي يرتكبها الاحتلال بحق الأسرى. فكلّ سجون الاحتلال اليوم باتت عزلًا موحّدًا، حُرم فيه الأسرى من حقّ الزيارة والاتصال بالعائلة، بل ومن حقّ زيارة المحامين أيضًا.
أسرى كُثر يعيشون صراعًا داخليًا مع الهواجس، يشعرون من بعيد أن شيئًا جللًا أصاب عائلاتهم، لكن لا أحد يخبرهم باليقين.
الأسير مجدي حسين الريماوي (60 عامًا) من بلدة بيت ريما قضاء رام الله، أمضى 24 عامًا في سجون الاحتلال، رافضًا الانكسار رغم حرمانه من أيٍّ من صفقات التبادل السابقة. تنتظر عائلته يومًا تعود فيه الحياة إلى صوت الباب، بينما يعيش هو انتظارًا آخر: انتظار خبرٍ واحد عن عائلته التي انقطعت أخباره عنها منذ 17 شهرًا.
يقول مكتب إعلام الأسرى إن الريماوي واحد من عشرات الأسرى المؤبدين الذين يعيشون تحت ظروفٍ قاسية من العزل والإهمال الطبي والتجويع، ضمن سياسةٍ ممنهجةٍ تستهدف تحطيمهم جسديًا ونفسيًا.
تروي زوجة الأسير مجدي الريماوي تفاصيل آخر لقاء جمعهم قائلة: "كانت آخر زيارة لنا بتاريخ 9/7/2023 أنا وأبناؤنا سائد ومرح، ثم انتهت تصاريحنا. كانت والدته مريضة جدًا، وآخر مرة رآها كانت في 15/12/2017، وبعدها لم تعد قادرة على الزيارة بسبب مرضها. وعندما حصلنا على تصاريح جديدة باغتتنا الحرب قبل يومٍ من الموعد، وأُلغيت الزيارة."
منذ ذلك الوقت، حُرمت العائلة من حقّ الزيارة، ومرّت 29 شهرًا دون أن تراه، وانقطعت أخباره تمامًا إلا ما ينقله الأسرى المحررون. وفي مايو 2024، تمكّن محاميه من زيارته، فكان أول ما سأل عنه هو والدته، فأجابه المحامي بأنها بخير، فاطمأن. وبعد شهرٍ واحد فقط، رحلت والدته، وحتى اليوم لم يُخبره أحد بوفاتها.
تقول زوجته: "أنا واثقة أنه شعر بأن شيئًا أصابها. ذاق من قبل وجع فقدان والده وشقيقه دون وداع، واليوم يعيش ألمًا مضاعفًا وهو لا يدري."
توضح أن حقّ زيارة المحامي عنه انتهى بسبب تعنّت إدارة السجون، إذ تم إرجاع محاميه من بوابة سجن نفحة ثلاث مرات؛ بحجة “الحجر الصحي” تارةً، و"الاستنفار الأمني" تارةً أخرى.
أما عن حالته الصحية، فتؤكد العائلة وفق ما نقله أسرى محررون أنه يعاني من مرض الجرب (السكابيوس)، وارتفاع ضغط الدم، والتهاباتٍ مزمنة لا يتلقى علاجًا لها، إضافةً إلى إصابةٍ قديمة في ساقه منذ انتفاضة الحجارة عام 1993 تسببت له بمشاكل عصبية. وقد فقد نحو 30 كغم من وزنه نتيجة الإهمال الطبي والتجويع المتعمد.
الأسير مجدي الريماوي يقضي حكمًا بالمؤبد و80 عامًا إضافيًا، منذ اعتقاله في 15/1/2002 بتهمة المشاركة في التخطيط لاغتيال الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي عام 2001.
ورغم قسوة السجن وطول السنين، لم يتوقف عن العلم، فحصل على بكالوريوس في اللغة العربية وأساليب تدريسها من جامعة القدس المفتوحة، وكان على وشك إنهاء ماجستير في الاقتصاد الإسلامي من كلية الدعوة الجامعية، إلا أن الاحتلال صادر موارده التعليمية بعد الحرب. كما أنهى نصف ساعات ماجستير آخر في التاريخ، وتوقفت دراسته كذلك.
نال الريماوي خلال سنوات اعتقاله عدة شهادات ودورات منها:
- دبلوم قيادة منظمات المجتمع المدني (150 ساعة).
- دبلوم مهني ماهر في الصحافة والإعلام (950 ساعة).
- دورة تحكم بالذات (50 ساعة).
- شهادة تجويد القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم.
حين اعتُقل، كانت ابنته مرح في الخامسة من عمرها وابنه سائد في عامه الأول. اليوم تزوّج كلاهما، دون أن يُتح لوالدهما أن يشاركهما فرحة العمر.
تقول زوجته: "تساوى عمر ابني تقريبًا مع سنوات اعتقال والده. لكننا مؤمنون بأن الحرية قادمة، كما كانت في صفقات وفاء الأحرار وطوفان الأحرار."
تستذكر زوجته عام 2017، حين سُمِح لهم بالتقاط صورةٍ معه بعد انتصار الأسرى في إضرابهم عن الطعام، وتقول بأسى: "اليوم سُلب منا حتى هذا الحق. لا صور، لا زيارات، لا أخبار. كلّ ما تبقّى هو ذاكرته التي تقاوم العزلة وهواجسه التي لا تنام".