اعتقل الأسير المحرر مازن محمد التتر في 8 يناير/كانون الثاني 2024 من داخل المدرسة الماليزية في شمال قطاع غزة أثناء نزوحه مع والده وعدد من أفراد أسرته.
تشير شهادته إلى أن قوات الاحتلال حاصرت المدرسة وأطلقت النار عشوائيا داخلها قبل أن تأمر جميع المدنيين بخلع ملابسهم عدا الملابس الداخلية، وتتركهم في العراء وسط البرد، وتصادر ممتلكاتهم وأوراقهم الثبوتية.
التحقيق الميداني الأول
أفاد التتر أن التحقيق الميداني بدأ فور الاعتقال داخل المدرسة نفسها، حيث جرى استجواب المعتقلين وسط إطلاق نار وشتائم وتهديدات.
وأضاف أن الجنود مارسوا التعذيب الجسدي والنفسي المباشر في موقع الاعتقال، قبل نقلهم إلى منطقة تعرف باسم "غلاف غزة".
الاحتجاز الميداني والتعذيب
قضى التتر 21 يوما مكبل اليدين ومعصوب العينين داخل خيام في ظروف قاسية، على أرض مليئة بالحصى والبرد.
ووفقا لشهادته استخدمت القوات الإسرائيلية الموسيقى الصاخبة والضرب بالأيدي والأخشاب كوسائل تعذيب متكررة، فيما منع المعتقلون من النوم أو معرفة الوقت، ما تسبب بانهيارات جسدية ونفسية.
بقي التتر في هذه الحالة لمدة 25 يومًا متواصلة، وأُصيب عدد من الأسرى بآلام مزمنة في المفاصل والغضاريف بسبب القيود الطويلة.
التحقيق داخل سجن النقب
بعد نقله إلى سجن النقب، استمر التحقيق معه بشكل متكرر.
وقال التتر إن المحققين استخدموا الضرب المباشر على الرأس والجسد لإجباره على الاعتراف، مشيرًا إلى أنه شاهد أسرى نُقلوا إلى المستشفى نتيجة التعذيب الشديد.
كما أوضح أنه كان يُحال كل ستة أشهر إلى جلسة محكمة شكلية، دون تهمة ثابتة حيث تتبدل التهم بين “الانضمام إلى حركة غير شرعية” أو العمل في حكومة غزة.
التجويع كأداة تعذيب
وصف التتر سياسة الطعام في السجن بأنها أداة تعذيب ممنهجة، موضحا أن الكميات المقدمة لا تكفي لبقاء الأسرى بصحة جيدة، بل تهدف إلى إبقائهم أحياء دون طاقة.
انخفض وزنه من 75 إلى 52 كيلوغراما خلال فترة اعتقاله، وأكد أن حالات الإغماء بسبب الجوع كانت شبه يومية بين المعتقلين.
تفشي الأمراض والإهمال الطبي
ذكر التتر أن جميع الأسرى في سجن النقب أُصيبوا بمرض الجرب والدمامل الداخلية والخارجية نتيجة انعدام النظافة والرعاية الصحية.
لم يقدم علاج فعلي واقتصر تعامل الطبيب على إعطاء الأسرى نصيحة شرب الماء، بينما منع إدخال الأدوية.
وأشار إلى أن الأعراض انتشرت بين جميع المعتقلين في وقت واحد، ما أثار شكوكا حول تعمد التلويث أو نشر العدوى كأداة حرب بيولوجية صامتة.
تدهور المعايير بعد 7 أكتوبر
قارن التتر بين اعتقاله الأول عام 1991 واعتقاله الأخير عام 2024، مؤكدًا أن المستوى الإنساني داخل السجون تراجع جذريًا بعد 7 أكتوبر.
فقد ألغيت معايير الحد الأدنى من الغذاء والعلاج والاحتياجات الأساسية، وحلّ محلها نظام انتقامي يقوم على الإذلال والتجويع والحرمان المطلق.
أوضاع إنسانية حرجة للمعتقلين
أكد التتر أن بين الأسرى في سجن النقب مدنيين ومعاقين ومرضى نفسيين لا يستطيعون خدمة أنفسهم. وشدد على أن هؤلاء منسيون تماما خلف القضبان، وأن بعضهم يعاني من إعاقات عقلية وجسدية دون أي رعاية طبية أو قانونية.
📌 خلاصة التقرير :_
- استخدام الاعتقال الجماعي العشوائي للمدنيين كوسيلة انتقام جماعي.
- التعذيب الميداني والمنهجي فور الاعتقال، بما يشمل التجريد من الملابس، التقييد الطويل، والضرب.
- الاحتجاز في ظروف غير إنسانية في مناطق مكشوفة وغرف مؤقتة داخل غلاف غزة.
- التجويع المتعمد وحرمان الأسرى من العلاج كوسيلة قتل بطيء.
- تفشي أمراض معدية وغياب كامل للرعاية الطبية.
- إجراء محاكمات صورية دون تهم حقيقية.
- إهمال شامل للأسرى المرضى والمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة.
تمثل الشهادات الميدانية، مثل شهادة مازن التتر، انتهاكا صارخا للحقوق الإنسانية الأساسية التي يكفلها القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. إن الاعتقال التعسفي للمدنيين، والتعذيب الجسدي والنفسي، والعزل الانفرادي لفترات طويلة، ومنع الرعاية الطبية الكافية، واستخدام الجوع كأداة عقاب، جميعها تشكل انتهاكات صريحة لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية المدنيين، وللاتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984. كما أن إجبار الأسرى على التعري والإذلال، والمعاملة المهينة يعد خرقا واضحا لمبادئ كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية داخل مراكز الاحتجاز.
وتؤكد المعايير الدولية أن جميع الأسرى بمن فيهم المدنيون لهم الحق في الحماية من التعذيب وسوء المعاملة وتوفير الرعاية الصحية الملائمة والاحتجاز ضمن بيئة آمنة تضمن حقوقهم الإنسانية. أي تجاهل لهذه الحقوق يعد مسؤولية مباشرة على سلطات الاحتلال وفق القانون الدولي، ويستوجب تحركا عاجلا من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان لمساءلة المتسببين وإنقاذ حياة المعتقلين.