حين تتاح لها الفرصة لا تغيب عن الاعتصامات الداعمة للأسرى، تقف خلف زوجها المعتقل كظله الحارس، تتابع أخباره وقرارات اعتقاله الإداري المتجددة، وتعيش كابوس الاعتقالات الدوّارة التي لم تفارق بيتها منذ ارتبطت به زوجةً وشريكةً في الوجع.
وحين تغيب، تغيب لتقضي شؤون أسرتها الصغيرة التي أصبحت فيها الأب والأم معًا، بعد أن انقطع راتب زوجها الأسير، ذلك الحق الذي ليس منّة من أحد.
في سجن النقب الصحراوي يقبع الأسير عبد الرحمن مازن خدرج (34 عامًا) من مدينة قلقيلية، يفكر في زوجته وطفليه محمد (5 أعوام) وأحمد (3 أعوام)، اللذين كان المعيل الوحيد لهما.
تقول زوجته لمكتب إعلام الأسرى إنها بالكاد عاشت معه فتراتٍ قصيرة ومتقطعة بين اعتقالٍ وآخر، إذ ما يكاد ينال حريته حتى يعيده الاحتلال مجددًا إلى السجن تحت ذريعة "الاعتقال الإداري".
الأسير خدرج ينحدر من عائلةٍ عرفت وجع السجون والاقتحامات المتكررة. والده، الأستاذ مازن خدرج، رجل ستيني علّم أبناءه حبّ الوطن، فدفع ثلاثةٌ منهم ثمنًا باهظًا من أعمارهم خلف القضبان، ولا يزالون هناك. يتحمّل الأب رفقة زوجاته وأحفاده مسؤولية عائلةٍ يثقلها الغياب والانتظار، ويحلم بيومٍ يرى فيه أبناءه يعودون إلى بيوتهم لينعموا بالاستقرار بعد سنواتٍ من المطاردة والاعتقال.
وتوضح زوجة الأسير خدرج، المقيمة حاليًا في منزل والدها، سجلّ اعتقالاته المتكررة قائلة: "اعتقله الاحتلال أول مرة عام 2014، وأفرج عنه عام 2016 بعد 28 شهرًا من الأسر، ثم اعتُقل مجددًا في 21/5/2020 وأُفرج عنه في 16/1/2022 بعد 20 شهرًا في الاعتقال الإداري. وفي 17/4/2022 أُعيد اعتقاله للمرة الثالثة، ونال حريته في 6/2/2023 بعد عشرة أشهر، ثم اعتقل للمرة الرابعة في 11/9/2023 ولا يزال في الأسر حتى اليوم."
وتضيف أن الاحتلال أصدر بحقه ستة أوامر اعتقال إداري متجددة، آخرها قبل أيامٍ فقط، حيث جرى تمديد اعتقاله أربعة أشهرٍ إضافية.
ومنذ 26 شهرًا، تنقطع أخبار عبد الرحمن عن عائلته، بعد قطع راتبه الأسري الذي كانت العائلة تعتمد عليه لتغطية نفقات زيارات المحامين، وهي الوسيلة الوحيدة التي تتيح لهم معرفة أخباره في ظلّ منع زيارات الأهالي.
تؤكد زوجته أن عبد الرحمن يعاني من مرض الجرب (السكابيوس) المنتشر بين الأسرى، وهو في طريق التعافي منه، كما يعاني من وجود بلاتين في قدمه، وقد فقد نحو 29 كيلوغرامًا من وزنه نتيجة سياسة التجويع التي تمارسها إدارة السجون.
وتنتظر عائلته يومًا تراه فيه حرًّا، متعافيًا من أوجاع الأسر وآثاره.
قبل اعتقاله، كان الأسير خدرج يعمل في محددةٍ صغيرة، تم إغلاقها بعد اعتقاله، ليُغلق معها مصدر رزق العائلة. وهو واحدٌ من 1612 أسيرًا قطعت السلطة رواتبهم دون مبرر واضح.
تكافح زوجته اليوم لتأمين حياة طفليها في ظل اعتقال زوجها واثنين من أشقائه، إذ لم تجد عملاً ثابتًا رغم محاولاتها المتكررة في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، فلجأت إلى إعطاء دروس خصوصية في الرياضيات – تخصصها الجامعي – لتأمين احتياجات الأسرة وتكاليف المحامي الذي تتابع من خلاله أخبار زوجها.
تحمد الله أن طفليها لا يزالان في عمرٍ صغير، لم يدخلا المدرسة بعد، فتكاليف الحياة أقل وطأة مما ستكون عليه لاحقًا.
تلاحق سلطات الاحتلال عائلة مازن خدرج باعتقالاتٍ متكررة تطال أبناءه الثلاثة: عبد الرزاق، وعبد الرحمن، وعبد الحق، الذين أفنوا زهرة شبابهم في السجون.
الأسير عبد الرحمن أمضى حتى الآن سبع سنوات في الاعتقال، فيما شقيقه عبد الرزاق معتقل منذ 2/11/2023 رهن الاعتقال الإداري، وقد سبق واعتُقل 22 شهرًا، أما شقيقه التوأم عبد الحق خدرج فمعتقل منذ 20/10/2023، وأمضى نحو أربع سنواتٍ ونصف في الاعتقالات المتكررة، وغالبًا ما كان رفيق شقيقه عبد الرحمن في ذات الزنازين.
ولا يزال الأشقاء الثلاثة اليوم رهن الاعتقال، يقتسمون الغياب والوجع خلف الأسوار.