الأسير المؤبد منتصر شلبي… جسدٌ يذوب خلف القضبان وصبرٌ لا ينكسر

يسير الأسير وحيدًا في دربه، لا يسنده سوى عائلته التي تقف خلفه كجبلٍ صلب يستند إليه وقت الحاجة، تُخفف من قسوة اعتقاله بالزيارات ورسائل الاطمئنان، وتنقل له أخبار العائلة ليبقى على قيد الأمل.
ويظل الأسير يكافح قسوة السجن بالصبر، وبالأمل بالحرية، وبالإيمان المطلق بالطريق الذي سار عليه دفاعًا عن كرامة وطنه، مطمئنًا أنه ترك خلفه زوجةً صابرةً حنونة، تقف بمحاذاته، وتُكمل عنه درب التربية، وتحافظ على البيت نابضًا بالحياة من جديد.
غير أن غالبية الأسرى فقدوا هذه الحقوق بعد إعلان حالة الطوارئ في السجون؛ فلا زيارات للأهالي تُبقيهم على قيد الأمل، ولا أخبار تصلهم عن أوضاع أهلهم وبلادهم.
ورغم مرارة الاعتقال، وانقطاع زيارات الأهالي، بقيت زوجة الأسير المؤبد منتصر أحمد علي شلبي (49 عامًا)، من سكان بلدة ترمسعيا قضاء رام الله، تسير على درب الصبر. ففي الوقت الذي يكافح فيه زوجها سنوات الاعتقال، تكافح هي الحياة، وتشُق طريقها بالعمل والجهد والجلَد. فمنذ أربع سنوات فقدت زوجها أسيرًا مؤبدًا، كما فقدت منزلها الجميل الذي تحول إلى حجارة وغبار.
يواصل مكتب إعلام الأسرى عرض قصص أسرى المؤبدات في سجون الاحتلال، مسلطًا الضوء على أوضاعهم في ظل انعدام الأخبار، وحرمانهم من زيارات الأهالي، وقلة زيارات المحامين، للوقوف على أوضاعهم الصحية وما يتعرضون له من سياسة تجويع وانتهاكات متعددة، في ظل استمرار حالة الطوارئ التي أعلنها الاحتلال عقب حرب السابع من أكتوبر.
بدأت قصة الأسير منتصر شلبي في تاريخ 1/5/2021، حين قرر أن يسلك درب استرداد كرامة وطنه، فتوجه إلى حاجز زعترة جنوب مدينة نابلس، الذي يُعد نقطة ربط بين مدينتي رام الله ونابلس، ويُعرف بتشديد الإجراءات العسكرية وصعوبة تنفيذ العمليات فيه.
إلا أن الأسير منتصر شلبي تمكن من تجاوز هذه النقطة العسكرية، ونفذ عملية إطلاق نار هناك.
أسفرت العملية عن مقتل مستوطن وإصابة اثنين آخرين، فيما أطلق الاحتلال النار باتجاه الأسير شلبي، الذي تمكن من مغادرة المكان بسيارته بعد نفاد طلقات مسدسه، ليبدأ بعدها فصل المطاردة.
اختفى الأسير منتصر شلبي قرابة أربعة أيام، تنقل خلالها بين أكثر من مكان، ونجح في إنهاك قوات الاحتلال التي بحثت عنه على نطاق واسع، قبل أن تتمكن من اعتقاله من بلدة سلواد قضاء رام الله.
وخلال تلك الفترة، تعرضت عائلته لانتهاكات عديدة، أبرزها اقتحام منزلهم، والتحقيق مع أفراد الأسرة، واعتقال أحد أبنائه، إضافة إلى التهديد بهدم المنزل، قبل أن يُنفذ ذلك لاحقًا.
كانت العائلة تمتلك منزلًا كبيرًا في بلدة ترمسعيا الهادئة، المعروفة بمنازلها الفخمة. سبعة أبناء وذكريات جميلة، ولم يكن ينقصها من أمور الدنيا شيء. غير أن الأسير منتصر شلبي تربّى على حب الكرامة وفداء الوطن.
وفي تاريخ 8/7/2021، هدم الاحتلال منزل العائلة بعد أن فخخه وفجره مرتين، ليتأكد من تحويله إلى ركام. وفي ذلك اليوم، خرجت زوجة الأسير لتؤكد أن ما هُدم ليس سوى حجارة يمكن تعويضها، وأن الأهم هو سلامة أبنائها وزوجها.
وبعد أشهر طويلة من التحقيق وتأجيل المحاكم، أصدرت محكمة عوفر العسكرية بتاريخ 5/1/2022 حكمًا بحق الأسير منتصر شلبي يقضي بسجنه مؤبدًا مكررًا مرتين، وفرضت عليه غرامة مالية بقيمة مليون ونصف شيقل.
ولا يزال الحكم قائمًا حتى اليوم، دون إدراج اسمه ضمن صفقة “طوفان الأحرار”، ليبقى رهن حكم المؤبد، وهو واحد من 17 أسيرًا من محافظة رام الله يقضون أحكامًا مؤبدة في سجون الاحتلال.
وأكدت عائلة الأسير منتصر شلبي أن معنوياته في سجن نفحة جيدة، وأنه صابر يقاوم أيام الاعتقال. وقد انخفض وزنه إلى 65 كيلوغرامًا بعد أن كان عند اعتقاله 165 كيلوغرامًا، نتيجة ظروف الاعتقال القاسية وسياسة التجويع.
وتشير العائلة إلى أنه يقضي جل وقته في قراءة القرآن، والصبر، وانتظار الحرية.




