تقارير وحوارات

شتاء… البرد سلاحٌ مفتوح على أجساد الأسرى

لا يزال الشتاء مفروضًا على الأسرى داخل سجون الاحتلال، ببرودته القاسية التي تحاصر الأجساد وتنهك العظام. فمنذ السابع من أكتوبر، لم تتوقف حالة الطوارئ داخل السجون، بل تحولت إلى سياسة انتقامية مفتوحة، يُستخدم فيها البرد كسلاحٍ مباشر يضاعف الألم، في ظل قمعٍ متواصل، وتجويعٍ ممنهج، وعزلٍ كامل عن العالم الخارجي. يعيش الأسرى اليوم شتاءهم القاسي داخل غرفٍ رطبةٍ تفتقر لأدنى مقومات الحياة، حيث تُغلق الشبابيك في وجود الشمس وتُفتح في غيابها، ليبقى الجسد الفلسطيني في مواجهة بردٍ دائم لا يرحم.

جحيم يومي بلا مقومات حياة
تفيد متابعات مكتب إعلام الأسرى أن غرف الأسرى ما زالت تفتقر لأدنى مقومات الآدمية؛ رطوبة عالية تنهش الأجساد، برودة قاسية تلازم الليل والنهار، واكتظاظ خانق حوّل الغرف إلى مساحات غير صالحة للحياة. القمع مستمر بلا توقف، والتنكيل بات روتينًا يوميًا، فيما يُستخدم الاكتظاظ كأداة إضافية لكسر الأسرى واستنزاف قدرتهم على الاحتمال.

سياسات عقاب جماعي تحت غطاء الطوارئ
استمرار حالة الطوارئ داخل السجون فرض على الأسرى سلسلة من السياسات العقابية، أبرزها:

  • استمرار سياسة التجويع الممنهج وسوء نوعية الطعام وكميته.
  • مصادرة الملابس والأغطية وكافة المقتنيات الشخصية.
  • اقتحامات متكررة للغرف وسحب الفراش ومستلزمات النوم.
  • حرمان كامل من زيارات الأهالي والمحامين.
  • عزل عدد كبير من قيادات الحركة الأسيرة في غرف تفتقر لأدنى مقومات الحياة.

ومع استمرار الشتاء داخل السجون، تتفاقم المعاناة الصحية، خاصة لدى الأسرى المرضى وكبار السن، وأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة وآلام في العظام والمفاصل لا تحتمل هذا البرد القاتل.

البرد القارس… أداة تعذيب ممنهجة
منذ بدء العدوان، حوّلت إدارة السجون برودة الطقس إلى وسيلة تعذيب مقصودة. يُمنع الأسرى من إغلاق الشبابيك بأي طريقة، ولا يُسمح بإدخال ملابس شتوية أو أغطية، فيما حُرموا منذ أكثر من عامين من الماء الساخن ووسائل التدفئة. وتشير المتابعات إلى أن ملابس الأسرى التي رافقت أجسادهم طوال هذه الفترة اهترأت، بل جرى توزيع بعضها على أسرى جدد لا يمتلكون أي بديل عنها.
ونتيجة لذلك، يعاني الأسرى من تشنجات حادة، وآلام مبرحة في الأطراف، وفقدان الإحساس بالأقدام، إضافة إلى اضطرابات النوم والعجز عن الحركة من شدة الوجع، في ظل غياب أي رعاية صحية حقيقية.

اقتحامات وضرب وإذلال ممنهج
تؤكد شهادات الأسرى أن الاقتحامات تتم بطريقة استفزازية وعنيفة، يُقيَّد خلالها الأسرى ويتعرضون للضرب الوحشي بالعصي والخوذ والأرجل على مختلف أنحاء الجسد، دون أي اعتبار لوضعهم الصحي أو لأعمارهم. تُصادر الممتلكات كافة، وتُحوّل الغرف إلى زنازين مغلقة، ويُمنع الأسرى من الفورة، فيما تستمر التفتيشات الليلية، خاصة في ساعات ما قبل الفجر، كوسيلة إضافية لكسر الاستقرار النفسي واستنزاف الجسد.
كما يُحرم الأسرى من أبسط متطلبات النظافة الشخصية؛ فلا ماكينات حلاقة، ولا قصّاصات أظافر، ولا مواد تنظيف، في بيئة مغلقة مكتظة تُنذر بانتشار الأمراض والأوبئة.

تعذيب نفسي وتحطيم متعمد
لا يقتصر الاستهداف على الجسد، بل يمتد إلى النفس. إذ يُجبر الأسرى أثناء العدّ على الجلوس بوضعيات مهينة، كالركوع وأيديهم على رؤوسهم ووجوههم نحو الحائط، ويُفرض عليهم السير على خطوط مرسومة داخل الأقسام. تحوّل الضرب والشتم إلى سلوك يومي، فيما يستمر العزل عن العالم الخارجي كسياسة ثابتة، حتى داخل الغرف نفسها، في محاولة ممنهجة لتحطيم المحتوى الداخلي للأسرى.
وقد أدت هذه الممارسات إلى استشهاد عشرات الأسرى داخل المعتقلات، في واحدة من أخطر مراحل تاريخ الحركة الأسيرة، وسط غياب أي محاسبة حقيقية.

ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال هو تعذيب قائم بالفعل، لا خطرٌ مؤجل. شتاء السجون مفروض عليهم الآن، بأجسادٍ بلا أغطية، وعظامٍ تواجه البرد العاري، ونفوسٍ تُستنزف تحت القمع اليومي. ويحذر مكتب إعلام الأسرى من التداعيات الخطيرة لاستمرار هذا التنكيل الموسمي، مؤكدًا أن ترك الأسرى وحدهم في مواجهة هذا الشتاء القاسي يشكل جريمة إنسانية موصوفة. إن الصمت الدولي حيال ما يجري لا يقل فداحة عن الجريمة نفسها، وسيبقى شاهدًا على واحدة من أبشع صور التعذيب المنهجي في العصر الحديث.

المصدر
تقرير/ إعلام الأسرى
زر الذهاب إلى الأعلى