تقارير وحوارات

الأسير المؤبد محمد مخامرة… جسد ينهكه الإهمال الطبي خلف القضبان

يشكّل الإهمال الطبي العنوان الأبرز للمرحلة الراهنة داخل سجون الاحتلال، حيث تنتهج إدارة السجون حربًا ممنهجة على الحياة ومقوماتها. فقد تحوّل العلاج إلى رفاهية محرّمة على الأسرى، وأصبح الدواء حبيس “حبّة مسكّن” تُقدَّم كحلٍّ وحيد مهما كان نوع المرض أو شدّة الألم، ليُترك الأسير وحيدًا في مواجهة وجعه، وكأن تلك الحبّة حلٌّ سحري لكل شيء.
ومع استمرار حالة الطوارئ في سجون الاحتلال، بات الإهمال الطبي واحدًا من سلسلة انتهاكات تهدد حياة الأسرى، إلى جانب سياسة التجويع، ونقص الملابس الشتوية، وانعدام حق “الفورة”، وشحّ مواد التنظيف، ما يفتح الباب واسعًا أمام انتشار الأمراض الجلدية. يضاف إلى ذلك حرمان أهالي الأسرى من حق الزيارة، واقتصار الاطمئنان عليهم عبر زيارات المحامين، التي تحوّلت بدورها إلى معركة أخرى تخوضها العائلات بصعوبة وانتظار مرير.
في هذا السياق، تحدّث مكتب إعلام الأسرى إلى عائلة الأسير محمد أحمد موسى مخامرة (30 عامًا) من بلدة يطا قضاء الخليل، للوقوف على معاناته الصحية ومطالب عائلته بحقه في العلاج والدواء، في ظل الإهمال الطبي المتواصل والانتهاكات المتراكمة. ويأتي ذلك في إطار تسليط الضوء على أسرى محافظة الخليل، التي قدّمت 28 أسيرًا محكومين بالمؤبد، وهي النسبة الأعلى بين محافظات الوطن.
مناشدة للعلاج
تقول عائلة الأسير محمد مخامرة إن ابنها يقبع اليوم في سجن ريمون – قسم 6، حيث تنعدم مقومات الحياة الأساسية، ولا يتوفر العلاج أو الدواء للأسرى منذ ما بعد السابع من أكتوبر. وتشير العائلة إلى أن الأسرى محرومون من الطعام الكافي، ومن حق “الفورة”، ويعانون من نقص حاد في الملابس الشتوية.
ويعاني الأسير محمد مخامرة، أسوةً بأسرى قسمه، من هذه الانتهاكات، إلا أنه يتميّز بمعاناة صحية خاصة، إذ يشكو من مرض جرثومة المعدة، وقد تقدّم بطلبات متكررة لإدارة السجون لتوفير العلاج دون أي استجابة. وبعد سياسة التجويع، خسر ما يقارب 10 كيلوغرامات من وزنه، فيما تطالب عائلته المؤسسات المختصة بالتدخل العاجل لإجراء فحوصات طبية وتقديم العلاج اللازم.
كما يعاني الأسير محمد مخامرة من عدم انتظام زيارات المحامين، إذ تؤكد عائلته – شأنها شأن باقي عائلات أسرى سجن ريمون – أن الحصول على زيارة محامٍ بات أمرًا بالغ الصعوبة. وتقول العائلة: “زار المحامي محمد مرتين فقط بعد الحرب؛ مرة قبل عام، ومرة قبل شهر واحد، ومنذ خمسة أشهر نحاول دون جدوى تأمين زيارة أخرى”.
أما على صعيد الظروف المعيشية، فتوضح العائلة أن محمد، بعد السابع من أكتوبر، لم يكن يملك سوى غيارين من الملابس، ومع دخول فصل الشتاء ازدادت معاناته، إذ إن الملابس والأغطية التي قُدّمت للأسرى لا تقيهم برد الشتاء ولا ليل السجون القاسي.
انتهاكات ما قبل الحرب
لم تكن الحياة الاعتقالية للأسير محمد مخامرة قبل السابع من أكتوبر سهلة أيضًا، إذ عانى من الإهمال الطبي لسنوات، إلا أن الأوضاع – بحسب عائلته – ازدادت سوءًا بشكل غير مسبوق بعد الحرب. كما تعرّض خلال سنوات اعتقاله السابقة لعزلٍ انفرادي، لمجرد مطالبته بالاجتماع مع عمّه في سجن واحد بسجن النقب.
وامتدّت الانتهاكات لتطال عائلته، حيث جرى اعتقال والده واثنين من إخوته، وتفجير منزل العائلة المكوّن من ثلاثة طوابق، إضافة إلى قطع راتبه بعد عام واحد من اعتقاله، في سياسة عقاب جماعي ممنهجة.
يُذكر أن الأسير محمد مخامرة هو واحد من ثلاثة أسرى من مدينة الخليل – بلدة يطا، نفذوا عملية نوعية في تل أبيب بتاريخ 8/6/2016، أسفرت عن مقتل أربعة مستوطنين وإصابة ستة آخرين. وجرى اعتقال محمد مخامرة إلى جانب ابن عمّه خالد محمد مخامرة (30 عامًا)، وعضو الخليّة الثالث يونس عايش عوض (29 عامًا). وفي تاريخ 9/11/2017 صدر بحقهم حكم بالسجن المؤبد أربع مرات، إضافة إلى 60 عامًا وغرامة مالية تجاوزت مليوني شيقل.
رغم سنوات الاعتقال التسع، واصل الأسير محمد مخامرة مسيرته التعليمية، وحصل على شهادة الثانوية العامة، كما يداوم على حفظ القرآن الكريم ودراسة السيرة النبوية. وكانت عائلته تأمل تحرّره ضمن صفقة “طوفان الأحرار”، غير أن اسمه لم يرد في قوائم المفرج عنهم. وتقول والدته: “الأمل بالله وحده… تمنّينا حريته كثيرًا، لكن الحمد لله على قضاء الله وقدره”.
واليوم، لا تملك عائلة الأسير محمد مخامرة سوى مناشدة مؤسسات الأسرى والجهات المختصة للتدخل العاجل، وتوفير العلاج اللازم لابنها من مرض جرثومة المعدة، على أمل أن تنال والدته حقها في الطمأنينة على صحته، بانتظار أن يتحقق حلم الحرية والعودة إلى الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى