الأسير المحرر أنس علّان يروي: السجون ما قبل 7 أكتوبر شيء.. وما بعده شيء آخر
تقرير/ إعلام الأسرى

السجن وإن توفرت فيه كل وسائل الراحة.. يبقى سجنًا، تعرف أن سجانك هو عدوك الذي سلب حريتك وأنت تقاوم لتحرير بلادك من دنسه، لكن هل يمكن أن يتحول السجن إلى قبر؟ ويقارن الأسير سنوات سجنه السابقة بما آل إليه الحال بعد بدء حرب الإبادة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023؟، نعم.. فكل أسير مرّ عليه السابع من أكتوبر وهو داخل الأسر، تعرض لأهوال جعلته يعتقد أن سنوات أسره قبل ذلك كانت إقامة فندقية!!

الأسير المحرر أنس علّان، من بلدة جينصافوط في محافظة قلقيلية، تحرر في صفقة «طوفان الأحرار 3» بعد اعتقال استمر 19 عاماً منذ 2006، وكان محكوماً بالسجن المؤبد. يحكي أنس لمكتب إعلام الأسرى شهادته عن الفرق الشاسع بين «ما قبل 7 أكتوبر» و«ما بعده» — فرق لم يقتصر على قيود إضافية بل على تغيير جذري في معادلة السلطة داخل السجون.

قبل 7 أكتوبر، يقول أنس، كان ثمة بقايا من كرامة تتيح للأسير الفلسطيني أن يقرر ويطالب بأمور بسيطة داخل السجن، وكان بالإمكان التقدّم بطلبات والحصول على بعض التسهيلات. أما بعد 7 أكتوبر فـ«تبدّل المشهد». وفق شهادته، أصبح السجان (السوهير) شبه مدير مطلق الصلاحيات، يتصرّف بتعليمات مباشرة من بن غفير وسموتريش، والنتيجة: سحب كل ممتلكات الأسرى وتجريدهم من مكتسبات حركتهم الأسيرة التي بنَتها السنوات.

من حقوق بسيطة — تلفزيون، إمكانية صلاة جماعية، سجادة صلاة، أذان، قراءة القرآن بصوت مرتفع — إلى منعٍ تام وتجريد مهين. يروي أنس تفاصيل صادمة: القرآن رُمي في المراحيض، وممارسات استفزازية وتحطيمية تمارس بحق مقدسات الأسرى وخصوصياتهم. سجادة الصلاة سُحبت، وأي صلاة جماعية أصبحت ممنوعة. حتى أداء العبادات الفردية صار يخضع لتهديد القمع — «تنادي حان موعد الأذان ممنوع وإلا بصير قمع».

الظروف الصحية والإنسانية تدهورت أيضاً إلى حدّ كبير جدًا. المياه الساخنة قُطعت نهائياً؛ الاستحمام مُنح في ربع ساعة فقط ليوم كامل لكل من في الغرفة، والمياه المتاحة للغرفة لمعدّل ربع ساعة يومياً. الحمامات مقيدة، والغرف مكتظة بشكل يلامس الخطر — حيث كانت تتّسع سابقاً لستّة أسرّة فأصبحت تستقبل 17 أو 18 نائماً فوق بعضهم. «صاروا يناموا فوق بعض» — وصف يختصر انعدام المساحة وغياب أدنى شروط الكرامة والبراءة الإنسانية.

الطعام صار سياسة تجويع ممنهجة: حصص تقلّ بشكل صارخ. ما كان يكفي شخصين صار يُقدّم لـ12 شخصاً؛ طبقين من رز لـ12 شخصاً، كوب شوربة لـ12 شخصاً — وصفة لتراجع الوزن وانتشار الأمراض. يذكر أن الوزن انخفض لدى كثيرين من 120 كغم إلى 60 أو 50 كغم، وتبع ذلك أمراضٌ متعددة نتيجة سوء التغذية والإهمال الطبي المتعمد.

وتبع ذلك إغلاق الفورة (المشي في الساحة) ومنع الخروج لمدة طويلة كان له أثره: الفورة التي افتُقدت لأسابيع وأشهر أعادت الأسرى إلى حالة نفسية وجسدية مدمرة. وحتى العودة لحظاتٍ للهواء الطلق صارت مشروطة ومرتبطة بعقوبات قاسية إن تجاوزها الأسير، وخلال الفورة، التواصل بين الأسرى من غرف أخرى ممنوع: «في خط على الأرض ممنوع تحكي مع الغرفة الثانية، لو كلمت حد بضربك وبكلبشك وبقمعك» — تشديداتٌ تحول أبسط تواصل إنساني إلى فعلٍ محظور يُعاقَب عليه بالعنف.

أنس لا يكتفي بسرد الألم — إنما يؤكد أن إدارة السجون اتخذت إجراءات ليست في مصلحة الأسرى بقدر ما هي لحسابات سياسية وأمنية أوسع، تمنح السجان صلاحية تنفيذ سياسات قمعية تحت ذريعة «الأمن» أو «الردع». التبعات: فقدان مكتسبات سنوات النضال داخل السجون، واضمحلال أي سقفٍ لكرامةٍ متبقية.

ما يرويه أنس علّان مرآة لتحول شامل في تجربة الأسر الفلسطيني؛ تحوّلٌ جعل من الزنزانة مقبرةً بطيئة للحياة اليومية، ومن السجان سيداً يمتلك مفاتيح الحرمان. والسؤال الذي يطبُق على كل من سمع أو قرأ: كيف تُعاد هذه الكرامة المسلوبة؟ وكيف تُوثّق انتهاكات تهدف إلى محو إنسانية الأسير؟ شهادات مثل شهادة أنس تظلّ نداءً لإنصافٍ عاجل، وللتذكير أنّ السّجن مهما بدا «مجهزاً» يبقى ساحة صراع إنساني لا يمكن تبرير القمع فيها باسم أيّ سبب.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020