أيهم كممجي ومحمود العارضة: أبطال نفق الحرية في جلبوع ينالان حريتهما مرة أخرى ويطويان صفحاتٍ من العزل والتنكيل
تقرير/ إعلام الأسرى

يجلس المحرَّر القائد محمود علي العارضة (50 عامًا) من بلدة عرّابة قضاء جنين، على طاولة الإفطار بعد ثلاثة عقودٍ من الاعتقال.

يقول في أول شهادة إنسانية له: "لأول مرة منذ أربع سنوات أحمل ملعقة طعام، اليوم أتناول الجبنة البلدية من إنتاج بلدتي عرّابة، وأتذوّق الزعتر البلدي برائحة جبالها كذلك."

يجلس العارضة إلى جانب شقيقته وأولادها الذين جاؤوا لاستقباله في مصر، يمارس طقوسًا كانت بالنسبة له ولرفاقه الأسرى ضربًا من الرفاهية، ويوجه شكره وعرفانه لأهل غزة الذين كانوا السبب وراء حريته، قائلًا: "لن ننسى هذا الجهد الذي قُدِّم من أجل فلسطين. نقدم تحيتنا لأهلنا في غزة ولمقاومينا الأبطال، بارك الله فيكم وجزاكم عنا خير الجزاء. تمنيت أن ينال الجميع حريتهم، فقد تركت خلفي أناسًا عظماء لهم باع طويل في النضال، نسأل الله أن يتمم فرحتنا بحريتهم."

إلى جانب محمود العارضة خرج أيهم فؤاد كممجي (39 عامًا) من بلدة كفر دان قضاء جنين، حرًّا بعد أن اعتقله الاحتلال عام 2006. خرج ليكمل قصيدته الشهيرة "مرج ابن عامر قُم وحدّث قصة..."، وهذه المرة استطاع أن يُلقيها كاملة بعد أن حرمه السجان من ذلك عقب إعادة اعتقاله بعد عملية نفق الحرية في سجن جلبوع.

أيهم ومحمود وقفا حرَّين شاهدين على دماء المجاهدين الذين قدّموا الغالي والنفيس في سبيل الحرية والكرامة؛ إنجازان جديدان يُسجَّلان لصالح المقاومة ومجاهديها الأشاوس، ولصالح أبناء غزة الغيورين على حرية أبناء شعبهم في سجون الاحتلال.

من غزة جاءت شقيقة الأسير محمود العارضة لاستقباله، تحمل له الزعتر والجبن من رائحة موطنه، وتحمل له أحضانًا حُرم منها طويلًا. في معظم مقابلاته الإعلامية كان محمود يحرص على أن يُمسك بيدها كأنه يخشى أن يكون في حلم.

محمود الذي اعتُقل عام 1996 وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد إضافة إلى 15 عامًا أخرى، خرج حرًّا شامخًا، وقد بدت عليه آثار العزل والتجويع في أعقاب معاقبته مع رفاقه بعد عملية نفق جلبوع عام 2021، التي أُضيف بعدها إلى حكمهم خمس سنوات أخرى لكلٍّ من الأبطال الستة: مناضل نفيعات، ويعقوب القادري، والمحرَّرين محمد العارضة، وزكريا الزبيدي.

أما أيهم كممجي، فقد اعتقله الاحتلال في العشرين من عمره، وحُكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة خطف مستوطن وقتله. وقد ذاق طعم الحرية مؤقتًا بعد عملية نفق جلبوع، لكن الاحتلال أعاد اعتقاله. واليوم تكمل المقاومة الطريق الذي بدأه نحو الحرية، بعدما قال يومًا في قاعة المحكمة: "سأخرج رغم أنوفكم وأعود إلى جنين."

تسعة عشر عامًا من التجويع والتغييب والعزل انتهت، وأصبح كممجي حرًّا بجهود المقاومة. صاحب المقولة الأشهر: "مثلما خرجنا من تحت الأرض، سنخرج من فوقها".

تحققت اليوم مقولته. وفي رسالته قال كممجي لأهل غزة: "خرجنا رغمًا عن أنف المحتل والسجان، مثلما خرجنا أعزّاء مرفوعي الرأس بجهود إخوتنا من غزة، سيخرج باقي الأسرى أعزّاء وسيُذلّ عدوّهم مرة أخرى كما أُذلّ اليوم".

أبطال النفق الذين ينحدر معظمهم من جنين نالوا حريتهم، والتحقوا بزكريا الزبيدي ومحمد العارضة، تاركين خلفهم الأسيرين يعقوب القادري ومناضل نفيعات، اللذين لا يزالان يعانيان العزل الانفرادي.

يعقوب القادري، المعتقل منذ عام 2003، حُكم عليه بالمؤبد مرتين إضافةً إلى 35 عامًا وخمس سنوات أخرى على خلفية عملية نفق جلبوع، بينما اعتُقل مناضل نفيعات عام 2020، وكان محكومًا بشهرٍ واحد فقط قبل أن يُضاف إلى حكمه خمس سنوات أخرى بعد العملية ذاتها.

فقد أيهم كممجي والدته عام 2019، ثم استُشهد شقيقه شأس كممجي عام 2022. وعندما نال حريته المؤقتة عبر نفق جلبوع، كان في طريقه إلى قبر والدته التي حرمه الاحتلال من وداعها، قبل أن يُعتقل مجددًا برفقة مناضل نفيعات.

أيهم كممجي شاعرٌ وخطيبٌ وحافظٌ للقرآن الكريم، حصل خلال اعتقاله على درجتي بكالوريوس من جامعتي بيرزيت والأقصى، وعلى ماجستير من جامعة القاهرة.

نفذ أولى عملياته عام 2000 بمحاولة تفخيخ سيارةٍ إسرائيلية لم تنجح، ثم شارك عام 2006 في عمليةٍ لخطف الجندي إلياهو أوشيري وقتله، ردًا على مجزرة شاطئ غزة في ذلك العام.

أما رفيقه محمود العارضة، فقد اتهمه الاحتلال بالانتماء للجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي والمشاركة في عملياتٍ أدت إلى مقتل مستوطنين.

حصل من داخل الأسر على شهادة الثانوية العامة، ثم درجة البكالوريوس في التربية الإسلامية، وأصدر عدة مؤلفات، بعضها نُشر وبعضها لا يزال ينتظر النور.

تعرّض العارضة للعزل الانفرادي مرارًا، وكان آخرها بعد عملية نفق جلبوع.

المقاومة وعدت وأوفت، فحررت أبطال النفق الذين صنعوا ملحمة الحرية الأولى بأيديهم، وها هي تُكملها اليوم بعزٍ وشموخٍ نحو حريتهم الأخيرة، وفاءً لكرامة شعبهم وقضيتهم.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020