كشفت شهادة الأسير المحرر محمد صبحي محمد أبو طبيخ، من محافظة جنين، والذي أفرج عنه مؤخرًا ضمن صفقة "طوفان الأحرار" الثالثة بعد 23 عامًا من الاعتقال (2002–2025)، عن واقعٍ بالغ القسوة داخل السجون الإسرائيلية، يوثّق انهيار المنظومة القانونية والرقابية التي يفترض أن تنظم معاملة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
أولًا: إخضاع السجون للسيطرة العسكرية المباشرة
أفاد الأسير المحرر بأن إدارة السجون الإسرائيلية باتت خاضعة بشكل مباشر لسيطرة الجيش الإسرائيلي منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في أكتوبر 2023، وهو ما شكّل تحولًا خطيرًا في طبيعة التعامل مع الأسرى، إذ تم تعليق القوانين المدنية واللوائح التنظيمية الخاصة بمصلحة السجون، واستبدالها بما يسمى بـ"قوانين الطوارئ العسكرية".
هذا الإجراء، بحسب الشهادة، سمح للجنود والسجانين باستخدام القوة المميتة دون مساءلة، بما في ذلك إطلاق النار على الأسرى أو الاعتداء عليهم جسديًا ونفسيًا دون أي تحقيق أو محاسبة.
ثانيا: انتهاك ممنهج لحقوق الإنسان الأساسية
أكد أبو طبيخ أن الأسرى سُلبوا معظم حقوقهم الأساسية التي تكفلها اتفاقيات جنيف الرابعة والقواعد النموذجية لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا)، بما في ذلك:
- الحق في الغذاء الكافي: تم تقليص الوجبات إلى الحد الأدنى وتجويع الأسرى كأداة عقاب جماعي.
- الحق في النظافة الشخصية: سُمح للأسير بالاستحمام لمدة لا تتجاوز ثلاث دقائق يوميًا، ومنعوا من استخدام مواد التنظيف.
- الحق في الملبس والأغطية: صودرت البطانيات والملابس الشتوية خلال فترات البرد الشديد.
- الحق في الاتصال بالعالم الخارجي: تم وقف الزيارات العائلية والاتصال بالمحامين لأشهر طويلة.
ثالثا: التعذيب والمعاملة القاسية
بحسب شهادة أبو طبيخ، تحوّلت ممارسات القمع إلى روتين يومي، حيث تقوم وحدات القمع الإسرائيلية باقتحام الأقسام ليلًا، وإلقاء قنابل الصوت والغاز والفلفل داخل الغرف بهدف الإيذاء والترويع، في مخالفة صريحة للمادة (3) من اتفاقيات جنيف التي تحظر المعاملة القاسية أو المهينة.
وأشار إلى أن الأسرى يتعرضون أيضًا للتعذيب النفسي والإذلال المتعمد، مثل إجبار بعضهم على تنفيذ أوضاع مهينة أو أعمال حاطة بالكرامة تحت التهديد والضرب.
رابعا: أوضاع مأساوية لأسرى قطاع غزة
قدّم أبو طبيخ شهادة مقلقة حول أوضاع أسرى قطاع غزة المحتجزين في سجن نفحة الصحراوي، مؤكدًا أنهم يعيشون في ظروف غير إنسانية أشبه بمعتقلات الحرب:
- يُمنعون من الأغطية والملابس لفترات طويلة.
- يُجبرون على الجلوس مكبّلين لأيام دون طعام أو ماء.
- تُسحب الفرشات صباحًا وتُعاد مساءً.
- تنتشر بينهم الأمراض الجلدية مثل السكابيوس (الجرب) دون علاج أو متابعة طبية.
ووفقًا للشهادة تُمارس بحقهم عقوبات جماعية وتمييز عنصري في توزيع الطعام والعلاج، ويُستخدم الضرب المبرح كوسيلة انتقامية.
خامسا: تعطيل الرقابة القضائية والإدارية
أكد الأسير المحرر أن محاولات الأسرى اللجوء إلى المحاكم أو لجان المراقبة الداخلية لتحسين أوضاعهم لم تجدِ نفعًا، إذ ترفض السلطات تنفيذ حتى القرارات القضائية الملزِمة.
وأشار إلى أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير يشرف شخصيًا على تقييد صلاحيات القضاء المدني داخل السجون، ويزوّر البيانات والتقارير المقدمة للجهات الرقابية لتبرير الانتهاكات.
سادسا: انتهاك منهجي للقانون الدولي
تُظهر هذه الشهادة نمطًا ممنهجًا من الانتهاكات الجسيمة التي ترقى إلى جرائم حرب وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك:
- التعذيب والمعاملة اللاإنسانية (المادة 8/2/أ/2).
- الحرمان التعسفي من المحاكمة العادلة (المادة 8/2/أ/6).
- العقوبات الجماعية ضد المدنيين (المادة 8/2/ب/13).
- التمييز القائم على الأصل القومي (المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة).
سابعا: دعوة للتحقيق الدولي
يطالب "مكتب إعلام الأسرى " المجتمع الدولي والأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر بـ:
1. فتح تحقيق مستقل في الانتهاكات داخل السجون الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023.
2. إيفاد لجان دولية محايدة لزيارة السجون، خصوصًا سجن نفحة وريمون ومجدو.
3. ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين قضائيًا أمام المحكمة الجنائية الدولية عن جرائم التعذيب والمعاملة القاسية.
4. توفير الحماية القانونية والطبية العاجلة للأسرى الفلسطينيين، خاصة أسرى قطاع غزة الذين يواجهون ظروفًا تهدد حياتهم.