الأسير الكاتب أمجد عبيدي.. بين جدران السجن لا يعلم أن أمه رحلت منذ خمسة أشهر
تقرير/ إعلام الأسرى

خمسةُ أشهرٍ مضت على رحيل والدته، ولم يصله الخبر بعد.

الأسير الكاتب أمجد أحمد عيسى عبيدي (56 عامًا) من بلدة زبوبا غرب جنين، يعيش عامه الثاني والعشرين في سجون الاحتلال، دون أن يدري أن أمه التي انتظرته طوال تلك السنوات قد غابت عن الدنيا بصمتٍ في الأول من حزيران/يونيو 2025، بعد رحلة صبرٍ امتدت حتى آخر أنفاسها، علّها تراه حرًّا قبل الرحيل.

حين تواصل أحد الأسرى المحررين مع عائلة أمجد عقب صفقة طوفان الأحرار، كان أول ما سأل عنه أمجد هو والدته: "كيف حالها؟"

سؤالٌ بسيط، لكنه وقع كالصاعقة على شقيقته التي كانت تتلقى المكالمة، إذ لم تكن تتخيل أن تمر خمسة أشهرٍ كاملة دون أن يصله نبأ وفاة أمه. تمسّكت بصوتها المتماسك، تخشى عليه من البعيد، تخاف أن تنكسر روحه عندما يعرف.

تقول شقيقته: "آخر ما علمناه عنه كان في يوم الصفقة، حين أخبرنا أحد الأسرى المحررين أنه لا يعلم بعد بوفاة والدته. حاول أن يطمئننا بأنه بخير حتى لا نزيد قلقًا. نعلم أنه في سجن ريمون، وأنه فقد الكثير من وزنه بسبب التجويع، لكنه بقي قوي المعنويات كما عهدناه دائمًا."

الأسير عبيدي يعاني من مشاكل حادة في الظهر (ديسك) ازدادت سوءًا بعد السابع من أكتوبر، ولم يزره محاميه منذ عامٍ كامل، وسط انقطاعٍ تامٍ لأخباره إلا عبر الأسرى المحررين.

سجنٌ طويل وألمٌ متوارث

اعتُقل أمجد عبيدي في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2003، وتعرّض خلال مسيرته للاعتقال مراتٍ عدة منذ عام 1985. هدم الاحتلال منزله بعد اعتقاله، واعتقل زوجته لبضع ساعات، فيما كبر أبناؤه الثلاثة في غيابه، وكان أكبرهم حينها في الرابعة من عمره وأصغرهم لم يُكمل عامه الأول. واليوم، وقد صاروا في أعمارٍ تقارب سنوات أسر والدهم، ما زالوا ينتظرون لقاءً مؤجلًا منذ 22 عامًا.

يقبع أمجد تحت حكمٍ بالسجن المؤبد 23 مرة، إضافة إلى 50 عامًا أخرى، بتهمة المشاركة في عملياتٍ أدت إلى مقتل عددٍ من جنود الاحتلال. وخلال هذه العقود، توالت على عائلته الفواجع: وفاة والده، وجدته، وعمه، واعتقال إخوته وأزواج شقيقاته، وخطبة ابنه دون أن يكون الأب حاضرًا في أيٍ من تفاصيل الحياة التي يمضيها خلف القضبان.

الكاتب الذي تحدّى الجدران بالعلم

رغم القيد، لم يتوقف أمجد عن التعلم والكتابة. حصل على بكالوريوس في التاريخ من جامعة الأقصى، ثم ماجستير في الدراسات الإسلامية من داخل الأسر، وأصدر نحو أربعة عشر مؤلفًا تناولت الفكر والسياسة والمجتمع، منها:

غريب في وطنه (أربعة أجزاء)، اكتشاف الوطن، التحول الفلسطيني، فلسطين والأسرى، الحرية في الإسلام، الحركة الإسلامية في الأسر الصهيوني، بين الفنادق والخنادق، على شاطئ غزة، الخطاب السياسي الفلسطيني، وتطور الفكر السياسي.

تصفه شقيقته قائلة: "أمجد أحنّ وأغلى إخوتي، قلبه كبير، يفكر بنا قبل نفسه. هو إنسان قوي وطيب في آنٍ واحد، يحب العلم والكتب، ويعيش في الأسر كما لو أنه في مكتبةٍ كبيرة. حُرم من الزيارة مرتين، وتعرض للتحقيق القاسي والمطاردة لسنوات، لكنه بقي كما عهدناه، صلبًا لا ينكسر."

العزلة والحرمان.. وجدران تمنع حتى الحزن

ليست مأساة أمجد وحده، فالأسرى اليوم يعيشون عزلةً غير مسبوقة منذ حرب الإبادة على غزة، كما تؤكد شهادات المحررين. باتت المعلومة إليهم تمرّ مشوّهة أو لا تصل أصلًا، وأحيانًا يُبلّغ الأسير بوفاة والده وهو ما يزال حيًّا، أو يُحرم آخر من معرفة موت أمه كما حدث مع أمجد. إنها جريمة عزلٍ إنساني تضاف إلى جرائم التجويع والتنكيل التي يواجهونها يوميًّا.

ويواصل مكتب إعلام الأسرى تسليط الضوء على معاناة الأسرى المحكومين بالمؤبد، في محاولةٍ لإبقاء قصصهم حيّة، وللتذكير بأن خلف كل رقمٍ أسير، إنسانٌ وعائلةٌ تتجرع الفقد كل يوم.

في زمنٍ تتسارع فيه الأخبار، هناك من يعيش خلف القضبان ما زال ينتظر خبرًا واحدًا لم يصل بعد أن أمه رحلت.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020