تنقطع أخبار الأسير المؤبد الشاب عمر عبد الجليل العبد تمامًا عن عائلته منذ اندلاع الحرب، فلا تعرف والدته شيئًا عن حاله سوى ما يرويه الأسرى المحررون الذين التقوه في أقسام السجون.
عمر، ابن بلدة كوبر الشامخة شمال رام الله، فقد من وزنه نحو 20 كيلوغرامًا خلال حرب التجويع التي يشنها الاحتلال على الأسرى، في ظل انعدام التواصل وندرة زيارات المحامين إلى السجون، ولا سيما سجن نفحة الصحراوي حيث يقبع.
هو الشاب الغضّ صاحب الابتسامة التي تغنّت بها الضفة كلها عام 2017، الإنسان الورع الذي حمل في قلبه حبًا لتلال بلاده وسهولها، فحرث أرضها بيديه وقدميه الغضّتين قبل أن يُسجن فيها منذ تسع سنواتٍ متواصلة.
يقول مكتب إعلام الأسرى إنهم تواصلوا مع عائلة عمر العبد للوقوف على آخر أخباره ضمن سلسلةٍ تسلّط الضوء على معاناة أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات الذين يواجهون ظروفًا قاسية في سجون الاحتلال.
تقول والدته بصوتٍ مثقلٍ بالشوق: "لم أره منذ ثلاث سنوات، ولا أعرف شكله الآن. كنت مريضة، وكان من المفترض أن نزوره قبل الحرب بيوم واحد فقط، لكن الحرب اندلعت، وتوقفت الزيارات تمامًا. منذ ذلك الحين، لا نعرف عنه شيئًا إلا من خلال الأسرى المحررين الذين يخبروننا بأنه بخير".
تؤكد والدة الأسير أن مصدر أخبارهم الوحيد هو الأسرى المحررون الذين يصفونه دائمًا بأنه ابنٌ مثالي ومفعم بالحياة رغم الألم. لكنها تشير بحزن إلى أن الأخبار التي تصله عن عائلته تكون مشوشة ومؤلمة، أحيانًا يسمع أن والدته مريضة أو أن أحد والديه قد توفي، فيعيش في قلقٍ دائم عليهم دون وسيلةٍ حقيقية للاطمئنان.
ويعاني الأسرى – بسبب سياسة حرمان الأهالي من الزيارات – من قلقٍ دائمٍ على مصير ذويهم في الخارج، وغالبًا ما يطالبون بزيارة محامٍ فقط ليطمئنوا على أحوال أسرهم، لا سيما الوالدين.
تغص والدة عمر بالكلمات وهي تقول: "اعتقل وهو في التاسعة عشرة، واليوم صار عمره سبعًا وعشرين سنة. تسع سنواتٍ من الانتظار والألم، لكني مؤمنة أن الحرية قريبة، وأن الله سيمنّ عليّ برؤيته قريبًا. لا تهمّني المؤبدات الأربعة، كل ما أريده أن أسمع صوته لدقائق فقط".
تتابع العائلة أخبار ابنها من خلال الأسرى المحررين الذين كانوا معه في قسمه بسجن نفحة، وتؤكد أن أحدهم أبلغهم منذ فترة أنه فقد من وزنه نحو 20 كيلوغرامًا، وربما أكثر الآن، في ظل سياسة التجويع والتنكيل الممنهجة.
في عام 2017، اتهم الاحتلال عمر العبد بتنفيذ عملية في مستوطنة حلميش أسفرت عن مقتل ثلاثة مستوطنين وإصابة رابع، في ذروة الأحداث التي شهدها المسجد الأقصى آنذاك. اعتُقل عمر بعد إصابته بالرصاص، وتعرض لتحقيقٍ قاسٍ قبل أن يصدر بحقه حكمٌ بالسجن المؤبد أربع مرات.
كان عمر طالبًا في كلية إدارة الأعمال في جامعة القدس المفتوحة، يحمل أحلامًا بسيطة كبناء مستقبله وخدمة وطنه، لكنه وجد طريقه إلى الأسر بدلًا من الشهادة التي توقعها. اليوم، يترك خلفه أرضًا أحبها وأمًا تنتظره، فيما تبقى صورته المشرقة حاضرةً في ذاكرة شعبه، رمزًا للإرادة والصبر والأمل في الحرية.