تتشابك الآلام في البيوت الفلسطينية كجروحٍ غائرة، تمتد على خطٍ متوازٍ من الانتظار والأوجاع. هناك عائلات لا تملك سوى تتبّع أخبار أبنائها الأسرى، في ظل استمرار منع الزيارات، وصعوبة حجز مواعيد للمحامين لمعرفة أحوالهم الصحية، بينما يعتمد الأهالي على شهادات الأسرى المحررين من ذات السجون التي يحتجز فيها أبناؤهم.
عائلة نادر أبو هليل، من بلدة دورا جنوب الخليل، واحدة من هذه العائلات التي تعيش فصولاً طويلة من القلق والمعاناة. فمنذ أشهرٍ وهي تحاول عبر محامين زيارة نجلها المريض عزمي نادر عزمي أبو هليل (30 عامًا)، المعتقل في سجن "عوفر"، بعد أن نقل إليها أحد الأسرى المحررين أنه تعرّض لتنكيلٍ شديد لمجرد مطالبته بالعلاج. وبعد جهودٍ مضنية، تمكّن المحامي أخيرًا من زيارته ليؤكد أن حالته الصحية خطيرة، وأنه فقد الكثير من وزنه، إذ تفشّى في جسده مرض السكابيوس ووصل مرحلة متقدمة، بينما تسببت الأكزيما بجروحٍ غائرة في جلده.
وفي حديثٍ لمكتب إعلام الأسرى، قال والد الأسيرين عزمي وحمزة أبو هليل: "الوضع الصحي لعزمي سيئ للغاية، فقد أبلغنا المحامي أن مرض السكابيوس المنتشر بين الأسرى وصل مرحلة متقدمة لديه، كما أن جروح الأكزيما تفاقمت، إلى جانب معاناته من أمراض في القلب والرئتين، دون أن تقدّم له إدارة السجون أي علاج".
وأضاف الوالد أن نجله الآخر حمزة (27 عامًا)، المعتقل إداريًا في سجن النقب، أكّد خلال زيارة المحامي له ما رواه الأسير المحرر، موضحًا أن عزمي رفض دخول غرفته في سجن "عوفر" احتجاجًا على حرمانه من العلاج، فقوبل موقفه بالقمع الشديد وإطلاق رصاص مطاطي أصابه في الفخذ، فيما قال له أحد السجّانين بسخرية أثناء ضربه: "هذا هو علاجك".
يعاني الأسير عزمي من أزماتٍ تنفسية ومشاكل في القلب والرئتين، ويحتاج إلى جلسات بخارٍ وأدويةٍ منتظمة لتنظيم التنفس وعلاج الأكزيما. غير أن بيئة السجون – الخالية من الشمس والهواء والطعام الصحي – تفاقم حالته، وقد وصل وزنه إلى 38 كيلوغرامًا فقط بسبب الإهمال الطبي والتجويع المستمر.
اعتُقل عزمي في ديسمبر 2024، وأُصيب بمرض السكابيوس في أبريل الماضي دون أن يتلقى علاجًا شافيًا. وتشير عائلته إلى أنه قد يواجه حكمًا بالسجن المؤبد، مطالبةً المؤسسات الدولية والحقوقية بالتحرك العاجل لإنقاذ حياته.
ولا يقتصر الألم في بيت أبو هليل على عزمي، فشقيقه حمزة يعيش بدوره في دوامة الاعتقال الإداري المتجدد منذ 24 شهرًا. وينتهي أمره الإداري الحالي خلال أيام، دون أن تعرف العائلة ما إذا كان سيُفرج عنه أم سيُجدد له مجددًا، كما جرت العادة منذ سنوات.
يقول الوالد بأسى: "منذ عشر سنوات لم يترك الاحتلال حمزة وشأنه، يعتقلونه ثم يفرجون عنه لشهر أو شهرين ليعودوا لاعتقاله مجددًا، لم يعرف حياةً طبيعية منذ زمن طويل".
هكذا، تعتاد عائلة أبو هليل الألم، وهي تراقب أحد أبنائها يصارع المرض والإهمال خلف القضبان، والآخر يعيش أسرًا بلا سقفٍ زمني ولا تهمةٍ محددة. وبين سجن "عوفر" و"النقب"، يبقى الأب يلاحق الحجوزات للمحامين، ويكابد الانتظار خلف القضبان مرتين؛ مرة مع عزمي المريض، وأخرى مع حمزة الإداري، على أمل أن يحمل الغد حريةً تنهي هذا النزيف المزدوج في قلب العائلة.