في صباح 17 كانون الأول/ديسمبر 2023، لم يكن مدير مستشفى كمال عدوان شمال غزة، الدكتور حسام أبو صفية (64 عامًا)، يدرك أن ساعات قليلة ستنقله من ممرات العناية المكثفة إلى زنزانة معتمة في سجون الاحتلال، اقتحمت قوات الاحتلال المستشفى واعتقلت الطبيب الذي كرس حياته لإنقاذ الجرحى والمرضى، لتتحول مهنته الإنسانية إلى تهمة، ويُقتاد بعيدًا عن أسرته ومرضاه، وسط حالة صدمة في الوسط الطبي والحقوقي الفلسطيني.
ظروف اعتقال قاسية ومهينة
بعد اعتقاله، تعرض الدكتور أبو صفية لتعذيب نفسي وجسدي متكرر، وصفت مشاهد اعتقاله بالقاسية، حيث جرى تقييد يديه وقدميه لفترات طويلة ومنعه من النوم والراحة، شهادات العائلة أكدت أنه فقد نحو 25 كيلوغرامًا من وزنه، ولم يُسمح له بتلقي علاج مناسب لأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.
أحدث التطورات: إهمال طبي متعمد
قبل أيام، أصدرت جمعية أطباء لحقوق الإنسان في الداخل المحتل بيانًا عاجلًا بعد زيارة محامٍ لسجن عوفر، كشف فيه أن الدكتور أبو صفية يعاني من الجرب نتيجة سوء النظافة وغياب الرعاية، ولم يحصل على أي علاج رغم طلباته المتكررة. كما لم يُعرض منذ شهر آذار/مارس على أي قاضٍ، ولم يخضع لأي تحقيق رسمي، في خرق واضح للقانون، وقد أكد للمحامي أن اعتقاله جاء فقط لأنه طبيب يعمل في وزارة الصحة بغزة، وطالب بتحرك دولي للإفراج عنه.
وبحسب الزيارة، وصف المحامي ظروف احتجازه بأنها:
⦁ حرمان كامل من الرعاية الطبية المتخصصة، رغم معاناته من أمراض قلب وارتفاع ضغط الدم.
⦁ إصابته بالجرب نتيجة سوء النظافة وغياب الرعاية الصحية، وعدم تلقيه أي علاج رغم الطلبات المتكررة.
⦁ تعرضه للعنف الجسدي والنفسي خلال عمليات التفتيش المتكررة للزنازين، مع تقييد اليدين والقدمين لفترات طويلة.
⦁ فقدان نحو 25 كيلوغرامًا بسبب كميات الطعام الضئيلة، وبقاء الملابس المتسخة لفترات طويلة دون تبديل.
⦁ الحرمان من أي تواصل مع محامٍ أو الجهات القانونية لفترة طويلة، في خرق صارخ للإجراءات الدولية الخاصة بحقوق المعتقلين.
وأكدت الجمعية أن حالة الدكتور أبو صفية تمثل جزءًا من سياسة ممنهجة ضد الطواقم الطبية الفلسطينية، حيث تم توثيق اعتقالات تعسفية لنحو مئة من العاملين في المجال الطبي منذ بداية النزاع، مع استمرار الانتهاكات: العنف الجسدي، الإهمال الطبي، نقص الطعام، وحرمان المعتقلين من الملابس النظيفة والحق في الفحص الطبي.
بين الجائزة الدولية وزنازين الاحتلال
قبل اعتقاله بشهر واحد فقط، حصل الدكتور أبو صفية على جائزة أكاديمية مرموقة من جامعة ألمانية تقديرًا لجهوده الطبية والإنسانية خلال الحروب السابقة على غزة. المفارقة المؤلمة أن الطبيب الذي كرمه العالم على دوره في إنقاذ الأرواح، وجد نفسه لاحقًا معتقلًا بلا محاكمة، ممنوعًا من ممارسة مهنته ورسالة إنسانيته.
نداء الأسرة وصمود الطبيب
عائلة الدكتور حسام، ولا سيما زوجته وأبناؤه، تواصل مناشداتهم عبر المؤسسات الحقوقية ووسائل الإعلام. تقول زوجته هالة: "زوجي لم يرتكب أي جرم. ذنبه الوحيد أنه كان يفتح باب المستشفى في وجه كل جريح، وأنقذ حياة المئات. نطالب العالم بالتحرك قبل أن نخسره في السجن."
ورغم كل ما يعيشه من حرمان وإذلال، يردد أبو صفية للمقربين منه: "سأبقى طبيبًا حتى لو قيّدوني، رسالتي لا تسقط بالاعتقال."
إعلام الأسرى: انتهاكات ممنهجة بحق الطواقم الطبية
أكد مكتب إعلام الأسرى أن قضية الدكتور أبو صفية تمثل نموذجًا صارخًا لسياسة الاحتلال في استهداف الكوادر الطبية الفلسطينية، مبينًا أن استمرار اعتقاله منذ نحو عام بلا محاكمة أو تهمة، وحرمانه من العلاج والرعاية الطبية، يُعد جريمة مكتملة الأركان، تضاف إلى سلسلة الانتهاكات المستمرة بحق الأسرى الفلسطينيين عمومًا، والأطباء والممرضين خصوصًا.
وأوضح المكتب أن سياسة الاحتلال تهدف إلى كسر إرادة الطواقم الطبية التي وقفت في الصفوف الأولى خلال العدوان على غزة، من خلال:
⦁ الحرمان من حق الفحص الطبي والعلاج، رغم المعاناة من أمراض مزمنة.
⦁ فرض ظروف اعتقال قاسية ومهينة، تشمل التقييد، الإهمال الغذائي، والحرمان من الملابس النظيفة.
⦁ منع التواصل مع المحامين أو الجهات القانونية لفترات طويلة، ما يشكل خرقًا صارخًا للإجراءات الدولية.
⦁ ممارسة العنف الجسدي والنفسي خلال الاقتحامات المتكررة للزنازين.
وحذّر المكتب المجتمع الدولي من مغبة الصمت أمام هذه الانتهاكات المنهجية، محملاً المؤسسات الحقوقية والصحية الأممية المسؤولية المباشرة عن حياة الأطباء المعتقلين، مطالبًا بـ التحرك العاجل للإفراج عن الدكتور أبو صفية وجميع الكوادر الطبية المحتجزة.
وأشار المكتب أيضًا إلى أن استمرار هذه السياسة يهدد مباشرة القدرة الطبية على التعامل مع الجرحى والمرضى في غزة، ويحول رسالة الإنسانية إلى هدف للانتقام والاعتقال، مع التأكيد أن هذه الانتهاكات جزء من خطة ممنهجة لكسر صمود الطواقم الطبية ومنعها من ممارسة رسالتها الإنسانية.