في زنزانة لا تشبه إلا صدى الغياب، تُعيد لين ترتيب شتات قلبها الممزق، تكتب في دفاتر الوجع رسالة مؤجلة لأمّ لا تنام إلا وهي تهمس باسمها، تبحث عن لمسة حنان لا تصلها.
وفي الزنزانة ذاتها، تُمسك شهد بذاكرتها كدرع يحميها من قسوة السجان، تروي تفاصيل اعتقالها بصوت منخفض لكنه صادق، تكتب تاريخًا لا يجب أن يُنسى، تاريخ صمود يُحفر بالدموع والكلمات.
هُما شابتان، من رام الله والخليل، اجتمعتا في سجن "الدامون"، طرقهما اختلفت، لكن الألم والكرامة واحد.
شهد ماجد حسن
حين يصبح النشاط الجامعي تهمة
الاسم: شهد ماجد حسن
مكان السكن: رام الله – حي عين مصباح
تاريخ الميلاد: 1997
الانتماء: الكتلة الإسلامية – جامعة بيرزيت
التحصيل الأكاديمي: خريجة علم الاجتماع، طالبة ماجستير
اعتُقلت للمرة الأولى في 12 آذار 2020 بسبب نشاطها الطلابي، حيث قضت 8 أشهر في زنزانة باردة في "الدامون"، منعت خلالها لقاء محاميها، وتعرضت لتحقيق قاسٍ.
في 6 تموز 2023، أعاد الاحتلال اعتقالها مجددًا بأمر اعتقال إداري، دون محاكمة، لتواجه مرة أخرى جدران الزنزانة وصمتها المطبق.
بالرغم من غياب مقعد الدراسة، تقود شهد المقاومة بصبر، تروي الحكايات للأسيرات الصغيرات، ترسم بابتسامتها مكانًا للنور في قلب الظلمة، لا تزال حاملة شعلة النشاط الجامعي رغم السجان.
لين راشد مسك
بين شهادة الجامعة وشهادة الأسر
الاسم: لين راشد مسك
العمر: 22 عامًا
مكان السكن: الخليل
التحصيل الأكاديمي: طالبة كلية الشريعة – جامعة القدس
في فجر 5 آذار 2025، اقتحمت قوات الاحتلال منزلها، كسروا الأبواب وأخذوها من بين أحضان أمها، لتبدأ رحلة ألم في زنزانة "الجلمة"، حيث تصف جدرانها الملطخة بالدم، والبرد القارس الذي يلتهم أجساد الأسيرات.
تحت قمع وسخرية السجان، عاشت لين أيامًا من العزلة والتفتيش المهين، لكنها وجدت ضالتها في الضحك رغم الألم: "بدها نسكافيه تنسى القرف!"
لم يمنعها المرض ولا سوء الطعام من المقاومة بالصبر والابتسامة، رغم أن العلاج اقتصر على حبة "أكامول" تُرمى كما ترمى العظام.
كتبت إلى عائلتها: "كلما حكوا معاي بضحك… ما بفرجيهم أوجاعي، عشان ما يوجعوا أكثر… بحاول أغيّر الموضوع، أضحكهم! لأنو همّي مش أنا، همي أهل البيت!"
حلمها الجامعي انتُزع تحت ظلال السجان، لكنها تؤكد: "أنا صامدة... السجن ما بيكسر عزيمتي، والقيد ما بيمنع ابتسامتي!"
داخل زنزانة القهر
في 24 حزيران 2025، شهدت "الدامون" لحظة صرخة مدوية لرئيس السجن: "من هسا ما في إدارة... أنا الإدارة! إذا حد بفتح تمه، بموت!"
اقتحمت قوات القمع الأقسام، ربطت وعصبت الأسيرات، بما فيهن المريضات، وخرجنهن للعراء في حرارة لا ترحم، بلا ماء أو دواء، وسط صرخات ألم لا تنقطع.
نُقلن إلى معبار "الجلمة" حيث التفتيش المذلّ والشتائم والتهديدات، لكنها رغم كل ذلك تبقى روح الأمل حية: "إحنا بنزرع أمل... ولو حتى بضحكة حزينة!"
ما بعد الكلمات
شهد ولين ليستا مجرد رقمين في سجلات الأسرى، بل شابتان حملتا شعلة الصمود والنضال من خلف القضبان، قصتان تنطقان نورًا وسط الظلام.
من رام الله إلى الخليل، من بيرزيت إلى القدس، ومن زنزانة لا يسمع فيها إلا صوت الألم، إلى قلوب تنبض بالأمل، تكتبان شهادة جديدة بمداد الصبر وورق الوجع، في زمن صار فيه القيد عنوانًا للحرية.