في الزنازين الموصدة على الوجع، يحل عيد الأضحى كغريب ثقيل، ينزف من أطرافه وجع الأسر، ويزرع في القلوب مزيدا من الحنين والفقد. في سجون الاحتلال، لا أصوات للتكبير، ولا خراف تضحى، ترى أجساد أنهكها الجوع، ونفوس مزقها الشوق، وقلوب معلقة عند بوابة الحرية.
قبل السابع من أكتوبر كانت الأعياد تسرق لكنها لا تمحى تماما، كان الأسرى يحاولون مقاومة القيد بأدوات بسيطة؛ صلاة جماعية في ساحة ضيقة، تهاني خافتة بين الزنازين، قطع كعك تصنع من فتات الخبز وبعض الأمل، ضحكة يتيمة تخرج من بين القضبان كاختراق للشروط العسكرية التي تحرمهم من كل شيء.
*أما بعد السابع من أكتوبر، تغير كل شيء تحول العيد إلى ذكرى مؤلمة، خالية من أي معنى للفرح. الإجراءات القمعية تصاعدت، والعقوبات الجماعية أصبحت نمطا يوميا. ي
يمنع الأسرى من إقامة الصلاة، تمنع الزيارات، وتقطع عنهم وسائل التواصل مع العالم الخارجي. حتى حلوان العيد الذي كان يصنع من خيال الأسرى، أصبح الآن عنوانا للقمع.
في السجون بديل الحلوى عبارة بوجبات مذلة، وإهانات جسدية، وضرب مبرح، واقتحامات مفاجئة، وعزل انفرادي.
الجوع يأكلهم ببطء، أجسادهم تذبل من سوء التغذية، ووجوههم شاحبة كظل وطن يتلاشى.
النحول بات مظهرا عاما، والأمراض تنهشهم في غياب العلاج والرعاية، فلا طبيب يعالج، ولا دواء يقدم. ينام الأسير وهو يشعر بالجوع، ويستيقظ على قسوة السجان لا على رائحة قهوة العيد.
الأسيرات يشتقن لأطفالهن ، يسرقهن العيد إلى ذكرياتهن مع أبنائهن، إلى حضن لا يعوضه جدار السجن البارد. أمهات داخل الأسر يمنعن من رؤية أطفالهن، وطفلات يحرمن من لمسة أم.
بين الزنازين تتردد تكبيرات مكتومة، حزينة، لا يسمعها إلا من يشترك معهن في الوجع.
أما الأسرى الأطفال فهم حكاية وجع أخرى.
أطفال في عمر الورد يزج بهم في الزنازين بدل أحضان الأهل، تسرق طفولتهم تحت ذريعة الأمن، ويمنعون من اللعب، ومن السؤال عن معنى العيد.
ينام الطفل الأسير على صورة أمه في ذهنه، وعلى حلم بسيط أن يستيقظ صباح العيد ليجد نفسه في فراشه بين والديه، لا بين جدران عارية من الرحمة.
أسرى غزة يعيشون في ظلام مزدوج.
منذ بدء العدوان لا يعرفون شيئا عن مصائر عائلاتهم، لا أخبار تصلهم، ولا زيارات، ولا حتى إشارات حياة، كل ما يملكونه هو وجع الانتظار، وخوف لا يهدأ من أن يكون العيد قد مر فوق بيوت أحبتهم وقد تحول إلى فاجعة.
رغم كل هذا لا يزال في زنازينهم ما يشبه الحياة
الأمل وحده هو العيد الحقيقي، هو اللحظة التي يصرخ فيها أحدهم: "سيأتي يوم ونعود، سنصلي صلاة العيد في ساحات الوطن بين الأهل، وسنذبح الأضحية بأيدينا، لا أن نذبح نحن بصمت خلف القضبان".
فيا عيد بأي حال عدت؟ وهل تحمل في تكبيراتك هذه المرة نداء من حرية لم تولد بعد؟