تمكّنت الطواقم القانونية التابعة لهيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، للمرة الأولى، من الوصول إلى معتقلي غزة المحتجزين في القسم السفلي من سجن (نيتسان – الرملة)، والمعروف باسم قسم (ركيفت).
يُعد هذا القسم من أقسى أماكن الاحتجاز، وقد خُصّص للأسرى الذين يُصنّفهم الاحتلال ضمن فئة "النخبة"، وبعضهم ضمن فئة "المقاتلين غير الشرعيين".
مشاهد أولية: تحت الأرض وبمرافقة السجانين
خلال هذه الزيارة الاستثنائية التي جرت وسط إجراءات أمنية مشددة، أدخل المحامون عبر بوابة قديمة تشبه مخزنًا مهجورًا، يقود إلى درج نحو الأسفل، محاط بالصراصير والتشققات في الجدران والأرضية، وفق وصفهم، كانت الزيارة تحت رقابة لصيقة من السجانين، ومنعوا خلالها المحامين من نقل أي معلومات شخصية أو خارجية للمعتقلين.
علامات الخوف والانهاك كانت بادية على المعتقلين، والرقابة حالت دون بدء الحديث معهم بسهولة، وبعد محاولات متكررة، استطاع المحامون طمأنة الأسرى بأنهم جاءوا كممثلين قانونيين للاطلاع على أوضاعهم.
شهادات من جحيم ركيفت: استمرار لجرائم لا تنتهي
الزيارات أفرزت شهادات صادمة تضاف إلى سلسلة إفادات وثّقت منذ بدء العدوان، لتكشف عن مستوى التعذيب الممنهج الذي يواجهه معتقلو غزة خلال الاعتقال، التنقل، والتحقيق.
(س.ج): من الزنزانة إلى الزنزانة، الجحيم يتكرر
المعتقل (س.ج) أفاد بأنه اعتُقل في ديسمبر/كانون الأول 2023، ونُقل فورًا إلى تحقيق استمر ستة أيام، تخلله ما يعرف بتحقيق "الديسكو" و"البامبرز"، حيث حُرم من الطعام والماء، واضطر لاستخدام الحفاضات التي لم تُبدل سوى مرتين، كان معصوب العينين ومقيدًا طوال الوقت، بعد نقله بين معسكرات وسجون مختلفة، استقر في قسم ركيفت، حيث وصف ظروف الاعتقال فيه بأنها الأسوأ، إذ تحتوي كل زنزانة على ثلاثة أسرى، أحدهم ينام على الأرض، يُسمح لهم بالخروج إلى "الفورة" يومًا بعد يوم، وهم مقيدون وممنوعون من رفع رؤوسهم، ولا تصل الشمس أبدًا إلى تلك المساحة.
(و.ن): ضياع الزمن خلف الجدران
بدوره، قال (و.ن) إنه اعتُقل في ديسمبر/كانون الأول 2024، وتعرض لتحقيق عنيف واعتداءات جسدية ونفسية، من بينها إجباره على الجلوس على ركبتيه لفترات طويلة، وتعرضه لاعتداء جنسي من خلال الضرب على مناطق حساسة، أشار إلى إصابته بكسر في إصبعه نتيجة الضرب، لافتًا إلى أنّ السجانين يتعمدون كسر الأصابع كأسلوب تعذيب متكرر. وأضاف: "نحن في عزلة تامة... لا نعلم متى تشرق الشمس ومتى تغيب".
(خ.د): الشبح والكدمات والتقييد حتى المرض
المعتقل (خ.د) كشف أنه خضع لتحقيق "الديسكو" وتكرر استجوابه من قبل المخابرات أكثر من مرة، تعرض للشبح على الكرسي لفترات طويلة، وضُرب بشكل وحشي في زنازين سجن عسقلان، أُصيب بالجرب خلال احتجازه في عوفر، واستمر معه المرض بعد نقله إلى الرملة، ويعاني من آلام حادة في الصدر نتيجة التقييد للخلف، وذكر أن السجّانين يعاقبون الأسرى بكسر إصبع الإبهام.
(ع.غ): حمى، برد، كاميرات، وتهديدات بالموت
أما المعتقل (ع.غ) فقد روى أنه احتُجز بدايةً في معسكر سديه تيمان حيث خضع لتحقيق قاسٍ رغم إصابته التي لم تعالج، أصيب بحمى شديدة وكان يصرخ من شدة الألم، دون أي تدخل طبي، وبقي لأيام دون غطاء أو ملابس في "بركس" مفتوح، نُقل لاحقًا إلى قسم ركيفت حيث تمنع الصلاة، وتُثبت كاميرات في جميع الزنازين لتوثيق تحركاتهم، يمنع الاستحمام إلا بإذن السجان، ويُحدد وقت ومدة الاستحمام، توزع لفة ورق واحدة فقط كل ثلاثة أيام، وكميات الطعام لا تكفي، "نعرف وقت الفجر فقط حين يسحب السجانون الأغطية"، قال (ع.غ).
سجون الموت: خارطة الاعتقال والتعذيب
ركيفت – الرملة، إلى جانب معسكرات مثل سديه تيمان، عناتوت، عوفر، ومعسكر منشة (المخصص لمعتقلي الضفة)، أصبحت مواقع مركزية لجرائم التعذيب بحق المعتقلين الفلسطينيين، ويُذكر أن الاحتلال أقر بوجود 1747 معتقلاً من غزة حتى مطلع أبريل/نيسان 2025، صنفهم كمقاتلين غير شرعيين، وهم فقط من يخضعون لإدارة السجون دون احتساب من هم في قبضة الجيش داخل المعسكرات.