في الزنزانة المعتمة التي يقبع فيها منذ أكثر من عقدين، يتآكل جسد الأسير أحمد أبو مطاوع (47 عامًا) شيئًا فشيئًا، تحت وطأة المرض والإهمال، بينما الزمن يواصل عدّه البطيء لسنوات الحكم التي ما تزال تطارده كظلّ ثقيل على صدره.
منذ أن اعتقلته قوات الاحتلال في 2 تموز/يوليو 2002، حُكم أحمد بالسجن لـ27 عامًا، كان خلالها شاهدًا على تحولات كثيرة داخل جدران السجن، لكنه لم يكن مستعدًا للحرب التي يخوضها اليوم داخل جسده المنهك.
الجسدُ المنهك لا يصرخ، بل يتهاوى بصمت
يعاني الأسير أحمد مطاوع من تدهور صحي حاد داخل سجون الاحتلال، حيث تفشّت في جسده أمراضٌ جلدية مؤلمة وخطيرة. منذ نحو عام وهو يصاب بمرض "سكابيوس" (الجرب)، دون أن يتلقى علاجًا فعّالًا، باستثناء تدخل طبي جزئي قبل شهرين لم يُحدث أي تحسن، بل تفاقمت حالته الصحية بشكل مقلق، وسط غياب شبه كامل للرعاية الطبية.
وقد انتشرت الدمامل والطفح الجلدي والتقرّحات في أنحاء جسده، إلى جانب إصابته بأكزيما صدفيّة متفاقمة، وحكّة شديدة أدت إلى تعفّنات جلدية واضحة، وحبوب متقشرة متحجرة تنهش جلده كما لو كانت عقابًا متعمَّدًا.
يقول أحد الأسرى: "مصاب بالسكابيوس، والصدفية، والأكزيما.. جسده ملئ بالحبوب المتقشرة المتحجرة، الأمراض تنخر جسده بالكامل، هزيل جداً، وفي بعض الأحيان يفقد النظر بالكامل".
فقد أحمد نحو 30 كغم من وزنه، نتيجة الإهمال الطبي وسوء التغذية، وتعرّض منذ شهر للسقوط داخل الحمام بعد أن فقد التوازن، مما أدى إلى كسر في أنفه. هذا كله يحدث في ظروف صحية ومعيشية قاسية داخل سجن "النقب"، وفي ظل سياسة الإهمال الطبي الممنهج التي اشتدت قسوتها منذ بداية العدوان على غزة.
الإهمال الطبي… سياسة عقاب بطيء
ليست حالة أحمد استثناءً، بل تمثل نموذجًا صارخًا للإهمال الطبي الذي تمارسه إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى، لا سيما المرضى منهم.
الهيئة المختصة بشؤون الأسرى وثّقت الحالة، ووصفت وضعه بأنه "غاية في الخطورة"، مؤكدةً أن ما يعانيه أحمد يُعد تهديدًا حقيقيًا لحياته، خاصة في ظل التأخر المستمر بتقديم العلاج، والتعامل اللاإنساني مع ألمه المزمن.
عائلته، من جهتها، لا تملك سوى الصوت والمناشدة. تقول والدته بحرقة: "بدنا نعرف شو بصير معه، بدنا لجنة طبية تشوفه، ما بدنا ننتظر حتى نفقده".
27 عامًا خلف القضبان… ولم تبقَ له سوى أنفاس تحارب
أحمد لم يتبقَّ له في الحكم سوى ثلاث سنوات، لكن داخل جدران السجن، الزمن لا يُقاس بالتقويم، بل يُقاس بالأنفاس التي تتناقص، والعافية التي تُنتزع، والصراخ الذي لا يُسمع.
هو ليس رقمًا في قوائم الأسرى، بل إنسان من لحمٍ ووجع، وابن طوباس، وسجينٌ يُصارع الموت في غياب أدنى الحقوق، يُعاني بصمت في الوقت الذي يُفترض فيه أن يتلقى رعاية صحية مكفولة بالقوانين الدولية.
انتهاكٌ صارخ للقانون الدولي
ما يتعرض له الأسير أحمد أبو مطاوع يُعد انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي الإنساني، وتحديدًا اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص في مادتها (91) على أن: "كل معتقل مريض أو جريح يجب أن يتلقى العناية الطبية التي تتطلبها حالته من دون تأخير، وأن تُوفر له الدولة الحاجزة مستوى من الرعاية يعادل ما يقدم لمواطنيها".
كما أن سياسة الإهمال الطبي المتعمَّدة تُصنّف قانونيًا كـجريمة ضد الإنسانية، بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وترقى إلى مستوى المعاملة اللا إنسانية والتعذيب، مما يُلزم المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لمساءلة الاحتلال ومحاسبة المتورطين في هذه الانتهاكات.
صرخةٌ إلى من بقي في الضمير شيء
في كلّ يوم يتألم فيه أحمد بصمت، ترتكب جريمة.
وفي كل يومٍ يتأخر فيه الرد، تقترب روحه من حافة لا عودة منها.
فهل من سامع؟ هل بقي في هذا العالم من يصغي لصوت جسدٍ يُجلد بالصمت؟