شهد العام الماضي 2023 - 2024 انتكاسة حادة في أوضاع الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث سُجلت أبشع أشكال الانتهاكات والاعتداءات الجسيمة بحقهم، في واحدة من أقسى السنوات التي مرت على تاريخ الحركة الأسيرة.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، صعّدت سلطات الاحتلال من حملات الاعتقال العشوائي والمنظم، ونفذت سلسلة من الإجراءات القمعية والانتهاكات الممنهجة التي طالت كل تفاصيل حياة الأسرى، وسلبت منهم الإنجازات والحقوق التي كُرست بنضالات طويلة وإضرابات مريرة عن الطعام.
وفيما يلي أبرز الانتهاكات التي تعرّض لها الأسرى خلال هذا العام:
أولاً: سياسة التجويع حتى حافة الموت
بتوجيهات مباشرة من وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، فرضت إدارة السجون سياسة تجويع ممنهجة على الأسرى، تمثلت في تقليص كميات الطعام المقدمة لهم إلى ما دون الحد الأدنى، وسحب أدوات الطهي ومنع الأسرى من إعداد أي وجبة داخل غرفهم.
أدى ذلك إلى فقدان مئات الأسرى أكثر من نصف وزنهم، وانهيار أوضاعهم الصحية بشكل خطير، حيث نقل العشرات منهم إلى المستشفيات فور الإفراج عنهم، بينما بدت ملامحهم أقرب إلى الهياكل العظمية.
وقد تسببت سياسة التجويع باستشهاد الأسير الفتى وليد أحمد (17 عامًا) من بلدة سلواد، حيث أثبتت نتائج التشريح أن المجاعة وسوء التغذية كانا العامل الرئيس في استشهاده داخل سجن مجدو.
ثانياً: الضرب والتنكيل الممنهج
واصلت قوات الاحتلال اعتداءاتها العنيفة على الأسرى، حيث اقتحمت الوحدات الخاصة غرف السجون، واعتدت على الأسرى بالضرب المبرح بعد تقييدهم، دون أي مبرر.
تكررت الاعتداءات خلال تنقلات الأسرى إلى المحاكم أو العيادات أو عند نقلهم بين السجون.
كما وثقت حالات اعتداء قاسية على الأسرى قبيل الإفراج عنهم، خاصة أولئك المفرج عنهم ضمن صفقة طوفان الأحرار، حيث تعرّضوا للضرب المبرح قبل أيام من تحررهم، ما استدعى نقل بعضهم لتلقي العلاج بعد الإفراج مباشرة.
ثالثاً: التعذيب الوحشي أثناء التحقيق والاحتجاز
ارتكبت أجهزة الاحتلال، وعلى رأسها "الشاباك"، انتهاكات جسيمة بحق الأسرى الجدد، خاصة من تم اعتقالهم خلال الحرب على قطاع غزة، مستخدمة أساليب تعذيب محرمة دوليًا.
من أبرز وسائل التعذيب المستخدمة:
* تعليق الأسرى من أيديهم لساعات طويلة.
* إطلاق الكلاب البوليسية عليهم.
* الحرمان من النوم والراحة لأيام وهم مقيدون.
* إبقاء الأسير في البرد القارس دون غطاء أو ملابس.
* استخدام الموسيقى الصاخبة المؤذية بشكل مستمر
وقد أدت هذه الأساليب إلى استشهاد عشرات الأسرى، غالبيتهم من قطاع غزة، خاصة في مراكز الاحتجاز المستحدثة مثل معتقل "سيديه تيمان" الذي يخضع لإشراف الجيش الإسرائيلي خارج نطاق قوانين السجون.
رابعاً: الحرمان التام من الزيارات والاتصال
منذ بداية الحرب في أكتوبر، فرض الاحتلال عزلة تامة على الأسرى، ومنع عنهم الزيارات العائلية والمحامين.
لم يُسمح سوى لبعض الأسرى بمقابلة محاميهم لفترات قصيرة، في حين ظلّت آلاف العائلات في حالة قلق دائم بسبب انقطاع التواصل تمامًا مع أبنائهم في السجون.
خامساً: الإهمال الطبي وتفشي الأمراض
كرّس الاحتلال سياسة الإهمال الطبي بحق الأسرى، حيث امتنع عن تقديم العلاجات اللازمة، وتجاهل الحالات الصحية المتدهورة.
سُجلت إصابات واسعة بمرض الجرب (سكابيوس) في مختلف السجون، بسبب انعدام أدوات النظافة، ونقص المياه، وغياب الرعاية الطبية.
بل ساهم الاحتلال في تفشي المرض عبر خلط الأسرى المصابين بالأصحاء، ما أدى إلى إصابة الآلاف منهم بالالتهابات والأمراض الجلدية، في ظل تجاهل كامل لمطالب العلاج.
يمرّ الأسرى الفلسطينيون بمرحلة هي الأخطر في تاريخ نضالهم الطويل، في ظل سياسات انتقامية تهدف إلى كسر إرادتهم وعزلهم عن شعبهم والعالم، وإزاء هذا الواقع المأساوي، فإن الحاجة ماسة إلى تدخل عاجل من المؤسسات الدولية والحقوقية لوقف هذه الانتهاكات، وضمان حقوق الأسرى وحمايتهم من سياسة القتل البطيء الممنهج.