الاعتقال بلا تهمة… سيف الاحتلال المسلط على رقاب الفلسطينيين

لا يحتاج الفلسطيني إلى محاكمة كي يدخل السجن في ظل الاحتلال الإسرائيلي، ولا حتى إلى تهمة. يكفي أن يُصنّف في خانة "الخطر المحتمل"، ليجد نفسه خلف القضبان، يُحاكم بصمت، وتُغلق في وجهه أبواب العدالة. ومع اشتداد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عاد شبح الاعتقال الإداري ليحصد الآلاف، وتُفعّل القوانين العنصرية من جديد، لتغطي على جريمة مكشوفة عنوانها: الأسر بلا أدنى مسوغ قانوني.

أولاً: الاعتقال الإداري  عقوبة مفتوحة دون محاكمة 

تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي استخدام سياسة الاعتقال الإداري كأداة للعقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني، حيث يُعتقل المواطنون شهورًا وسنوات دون تهم أو محاكمات، بناءً على "ملف سري" لا يُتاح للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليه. حيث شهدت الفترة التي تلت 7 أكتوبر 2023 تصعيدًا غير مسبوق في الاعتقال الإداري، إذ تم إصدار أكثر من 12,000 قرار إداري ما بين اعتقال جديد وتجديد، ضمن حملة اعتقالات طالت أكثر من 16,000 فلسطيني في الضفة الغربية والقدس، شملت قرارات الاعتقال الإداري كافة الشرائح: أطفال، نساء، نواب، أكاديميون، أسرى محررون، وناشطون، وسط غياب أي لوائح اتهام، وبتعليمات من جهاز "الشاباك".

ووصل عدد الأسرى الإداريين إلى 3,400 أسير، وهو العدد الأكبر في تاريخ الحركة الأسيرة، بما يشكل 32% من مجمل الأسرى، بينهم 95 طفلًا و4 نساء. وقد جرى تجديد الاعتقال الإداري لعشرات الأسرى لأكثر من 5 مرات، في خرق فاضح للاتفاقات السابقة التي تحد من التمديد لأكثر من 24 شهراً. ضحايا الاعتقال الإداري لا يُعدّون فقط بالأرقام، بل بالشهداء أيضًا، حيث ارتقى عدد من الأسرى الإداريين نتيجة تدهور حالتهم الصحية داخل السجون دون تقديم العلاج المناسب، ما يجعل الاحتلال متورطًا بجريمة مزدوجة: اعتقال تعسفي ثم قتل بالإهمال الطبي المتعمد.

ثانيًا: "المقاتل غير الشرعي"  غلاف قانوني لجرائم الاحتلال في غزة

في الوقت الذي تصاعد فيه استخدام الاعتقال الإداري في الضفة، لجأ الاحتلال إلى تفعيل قانون "المقاتل غير الشرعي" ضد أسرى قطاع غزة، وهو قانون عنصري شُرّع عام 2005 بعد الانسحاب من غزة، ليكون بديلاً عن الاعتقال الإداري. هذا القانون يُتيح اعتقال أي شخص من غزة إلى أجل غير مسمى دون محاكمة أو توجيه تهم، بناءً على تقديرات الشاباك فقط، ووفق ما يسمى بـ"الملف السري". جوهر هذا القانون لا يختلف عن سياسة الإخفاء القسري، إذ ترفض سلطات الاحتلال الإفصاح عن أعداد المعتقلين أو أماكن احتجازهم أو حالتهم الصحية، وقد بلغ عدد من اعتُقلوا من غزة خلال الحرب المستمرة أكثر من 10 آلاف مواطن، أُفرج عن عدد منهم لاحقًا، في حين لا يزال آلاف آخرون قيد الاعتقال دون معلومات رسمية.

واعترفت سلطات الاحتلال بأنها تحتجز 1,555 أسيرًا من غزة تحت قانون "المقاتل غير الشرعي"، بينهم الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان، المعتقل منذ أكثر من خمسة أشهر، بينما تؤكد شهادات أسرى محررين أن الأعداد تفوق ذلك بكثير.

إن الاعتقال الإداري وقانون "المقاتل غير الشرعي" وجهان لعملة واحدة، يستخدمهما الاحتلال كسلاح قانوني زائف لإدامة القمع والاستبداد، وتغييب آلاف الفلسطينيين عن حياتهم وأسرهم ومستقبلهم.

وفي ظل صمت المجتمع الدولي، تتحول السجون الإسرائيلية إلى مقابر قانونية مفتوحة، لا تُقدم بها تهم، ولا تُجرى فيها محاكمات، بل يُختطف الإنسان الفلسطيني، ويُلقى به في العتمة إلى أجل غير مسمى.

فإلى متى يُترك الفلسطيني بلا حماية، رهينة لقرارات ضابط وملف سري؟

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020