رام الله- مكتب إعلام الأسرى
تتفقد "نور" كل صباح غرفة والدها وتطل برأسها الصغير المدوّر من خلف الباب إلى سريره؛ متأملة أن يكون كل ما حدث مجرد كابوس بشع كما الظل الشرير في القصص الخيالية المخصصة للأطفال.
ولكنها تدرك أنها في حقيقة مرة يُنتزع فيها الأب من أحضان عائلته فقط لأنه فلسطيني، وأن كل ما سمعته عن وحوش الغابة والتنانين والغيلان هو مجرد خيال بجانب ما يقاسيه الفلسطينيون تحت احتلال ظالم لا يرحم.
في السادس والعشرين من أغسطس/ آب الماضي داهمت قوات الاحتلال منزل الشاب فادي حمد (٣٦ عاما) في قرية أبو قش شمال رام الله، حيث قاموا بتفتيش المنزل واعتقاله ومصادرة بعض المحتويات، كما صادروا مركبته وما زالت حتى الآن تخضع للمحاكمة!
تقول زوجته أم يمان لـ مكتب إعلام الأسرى إن هذا الاعتقال هو السابع لزوجها، حيث اعتقله الاحتلال مرات عديدة أمضى خلالها سبع سنوات ونصف مجتمعة ما بين الاعتقال الإداري والأحكام.
الملف السري هو أكثر ما يوجهه الاحتلال لفادي؛ فهو يفشل في إثبات تهم عليه ما يستدعيه لتلفيق هذا الملف وتحويله للاعتقال الإداري الذي يمكث فيه سنوات في كل مرة؛ أقلها تكون لمدة سنة ونصف أو عامين.
كان فادي ينتظر بفارغ الصبر قدوم مولوده الجديد "يمان" والذي كان على موعد مع رؤية الحياة في بداية سبتمبر، كان يجهز ملابسه وسريره ويحاكي الحديث معه، ويتحدث مع طفلته نور ابنة الأربعة أعوام حول تحمسها لقدوم شقيقها وكيف ستساعد والدتها في العناية به.
ولكن قيود الاحتلال كانت أقرب لتحطيم كل هذه الأحلام، فاعتقاله جاء ليضع زوجته وطفلته في حالة حزن شديدة وعودة لظروف اعتقاله السابقة التي عاشوها مرارا.
وتوضح زوجته بأنه خلال اقتحام الجنود لم تستيقظ طفلتها وبقيت نائمة، وحين استيقظت صباحا سألت والدتها متى يعود بابا من صلاة الفجر؟ فأخبرتها أن قوات الاحتلال اقتحمت المنزل واعتقلته وصادرت مركبته.
وتضيف:" ما كان من نور إلا أن تذهب إلى سرير والدها وتحتضن وسادته وتبكي.. هذه حياتنا مع الاعتقالات، وأقول لطفلتي بكل صراحة أن بابا بعيد عنا بسبب الاحتلال".
نور تسأل عن والدها كل يوم وتتساءل لماذا يغيب في السجون، بل وفي كل يوم تسرد لحظاتها الجميلة معه وتتذكر كل المواقف الجميلة معه وكل شيء جميل قضياها معاً.
في الاعتقال السابق كانت نور تبلغ من العمر شهرين فقط؛ وبلغت عامين من عمرها ووالدها أسير لم تره إلا من خلال الزيارات، فكبرت وفي قلبها غصة اسمها سجون واعتقالات.
الأسير فادي يعتبر من أبرز الوجوه الطيبة في محافظة رام الله ويعرفه الكثيرون بطيبته ووجهه المبتسم، ولم يتوان يوما عن زيارة منازل الأسرى لأنه يعلم تماما ما تمر به عائلاتهم.
أما عائلته فلا تكاد تفرح بخروجه من الأسر حتى يعاد اعتقاله من جديد وهكذا عداد سنوات حياته، حيث تم تحويله للاعتقال الإداري البغيض مجددا.. ولا تدري نور إلى متى سيطول انتظارها.