لا تكاد الطفولة في القدس ترسم أحلامها على جدران المدينة حتى تختطفها أيادي الاحتلال وتلقي بها في عتمة القهر، فكل طفل مقدسي تقريبا مر بهذه التجربة القاسية حتى باتت أمنياته تقتصر فقط على التخلص من قيود السجان.
وفي هذا الجانب المظلم تطفو قصص كثيرة بل تتزاحم في درجة القهر؛ ولكن حكاية الفتى مصعب أبو غزالة (15 عاما) ظهرت مؤخرا حين كبر قبل أوانه واتخذ قرارا علم أنه سيكلفه الكثير.
بدأت حكاية مصعب قبل عام ونصف حين اعتقلته قوات الاحتلال من حي باب حطة في البلدة القديمة من القدس حيث يسكن؛ وخلال ثلاثة أيام فقط من الاعتقال لاقى أصنافا من الضرب والتعذيب وهو لم يتجاوز بعد 14 عاما حينها.
ويقول والده لـ مكتب إعلام الأسرى إن قوات الاحتلال اعتقلت نجله واعتدت عليه بالضرب المبرح بحجة إلقائه زجاجة حارقة على منزل يحتله المستوطنون في البلدة القديمة، ثم تم الإفراج عنه بشرط الحبس المنزلي الذي مكث فيه عاما ونصف.
ويوضح بأن هذه الفترة أحدثت ما أحدثته في نفسية طفل صغير كل عالمه اللهو واللعب، كما منعه الاحتلال خلالها من التوجه إلى المدرسة ما أضاع عليه فرصة دراسة الصفين الثامن والتاسع.
ولعل أصعب ما مر به الفتى آنذاك هو نظراته من خلف نوافذ منزله لأصدقائه وهم يلعبون في أزقة البلدة القديمة ولكن دون أن يشاركهم كما فعل دوما، فكان ينظر بحزن إليهم وبغضب يتراكم يوما بعد يوم.
وبعد مداولات طويلة في محاكم الاحتلال التي تتعمد المماطلة في ملفات الفتية المقدسيين كي تزيد إرهاقهم وتطيل حبسهم المنزلي أو الفعلي؛ تم إصدار حكم على الفتى أبو غزالة بالسجن الفعلي لمدة ثلاثة أشهر، والتي بدأ بتنفيذها في الثاني والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي.
إلى العزل الانفرادي
ولم يكد الفتى ينهي وجع الحبس البيتي ثقيل الأثر حتى بدأ يكابد ظلم الزنازين، فالاحتلال استغل في ذلك صغر سنه وأراد أن يمارس عليه الحقد الممنهج.
ويقول والده إن قوات الاحتلال وبعد أن سلم مصعب نفسه في مركز توقيف المسكوبية من أجل قضاء محكوميته؛ قامت بنقله إلى سجن الجنائيين من المستوطنين، وهو ما رفضه نجله واعترض عليه.
ويؤكد بأن الاحتلال نقله بعد ذلك عقابا له إلى زنازين العزل الانفرادي في سجن "أوفيك" والتي يقبع فيها منذ قرابة الشهر، حيث تفتقر لأدنى مقومات الحياة الإنسانية.
ويضيف:" يقبع في زنزانة ضيقة ويتم عقابه عن طريق حرمانه من أبسط حقوقه من حيث الطعام والملابس، ولا يراعي الاحتلال صغر سنه في ذلك بل يعاقبه على رفضه التوجه لقسم الجنائيين".
وعند اعتقال أي فتى في عمر مصعب يتم نقله إلى قسم الأشبال الأسرى الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما، ولكن الاحتلال أراد عقابه وتعذيبه فنقله إلى الزنازين الانفرادية.
ويوضح الوالد بأن والدة مصعب زارته قبل يومين في العزل الانفرادي حيث تفاجأت بمظهره، فشعره كان طويلا لعدم توفر الحلاقة وكان ظاهرا عليه عدك توفر أبسط المقومات الحياتية، ولكنه لم يشكُ أبدا وكأنه لا يريد إرهاق والديه بالتفكير بحاله رغم صغر سنه.
وما زالت العائلة تحاول المتابعة مع المحامين من أجل وضعه في قسم الأسرى الأشبال، ولكن الاحتلال يرفض ذلك ويقول إن مكانه مع الجنائيين في محاولة لقتل روحه المعنوية، ولكنه فاجأهم وأعلن إضرابا عن الطعام لعدة أيام رفضا لظلمهم.
ويضرب مصعب بهذا الموقف مشهدا صلبا لطفل فلسطيني حرم من مدرسته ومن اللعب مع أصدقائه، حيث بقي مصرا على موقفه الذي دفع موقفه غاليا ولكنه لم يستسلم أو يتراجع رغم الظروف القاسية التي يعيشها الآن.