لم تكن تتوقع أم خالد أن هذه الليلة ستكون مختلفة في حياتها مع أطفالها وزوجها، وأن القبلات والألعاب التي كان يلهو بها زوجها أبي عابودي مع الأطفال قبل خلودهم للنوم ستكون الأخيرة لفترة لا يعلمها أحد وحسب مزاج الاحتلال ومخابراته.
فمع تعمق الليل واقتراب الفجر استيقظت العائلة فزعةً على أصوات طرقات متسارعة قوية على باب المنزل، وبعد ساعات من التفتيش انتهى المشهد بتغييب قسري للوالد في جهة مجهولة لم تعلم عنها العائلة إلا بعد أيام.
وتقول الزوجة هند شريدة لـ مكتب إعلام الأسرى إن قوات الاحتلال داهمت منزلهم في بلدة كفر عقب شمال القدس المحتلة بطريقة همجية في الثالث عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حيث كانت الساعة الثالثة فجرا والأطفال نيام ولكن صوت الجنود أيقظهم بسرعة وبدأوا بالبكاء.
وتوضح بأن الجنود قاموا بعمليات تفتيش سطحية في المنزل تنبئ بأنهم فقط يريدون اعتقال زوجها، حيث بدأوا بسؤاله عن الوثائق الشخصية وعن جواز السفر الذي يحمله وعن حالته الصحية.
وتضيف:" أطفالي وهم خالد خمسة أعوام والتوأم غسان وباسل ثلاث سنوات كانوا في حالة بكاء متواصل وحاولت تخفيف توترهم ولكن مشهد الجنود في البيت كان يفوق الوصف فتواصل صراخهم وبكاؤهم، كما قام الجنود بمصادرة الهواتف الخلوية وأجهزة ووثائق تخص عمل زوجي".
وبعد الاعتقال تم تقييد الأسير عابودي وتعصيب عينيه ونقله إلى جهة مجهولة، لتكون هذه ثالث مرة يتم اعتقاله فيها والمرة الأولى منذ زواجه، حيث أمضى ما يقارب خمسة أعوام في سجون الاحتلال.
الحياة ما بعد الاعتقال
اعتقال عابودي لم يشكل صدمة لعائلته فقط بل لكل من عرفه؛ فهو مدير مركز بيسان للبحوث والإنماء وأكاديمي له إنجازات ثقافية وأكاديمية وبحثية عدة.
وتقول شريدة إن الاحتلال قام بتحويل زوجها للاعتقال الإداري في بداية الاعتقال بحجة وجود ملف سري ضده، ولكن العائلة تفاجأت بأن مخابرات الاحتلال بدأت بإجراء تحويل ملفه إلى قضية بعد الضغط الذي مارسته العائلة ضد اعتقاله دون تهمة.
وتتابع:" أبيّ هو أحد المنظمين لمنظمة علماء لأجل فلسطين وكان المفترض أن يشارك في مؤتمر في الولايات المتحدة الأمريكية للحديث حول التحديات في ظل الاحتلال، وقامت مجموعة من العلماء والأكاديميين بالتوقيع على عريضة للمطالبة بالإفراج الفوري عنه بينهم العالم نعومي تشومسكي وجورج سميث، كما أن منظمة العفو الدولية كتبت عن ضرورة وجود تحرك دولي أقوى للإفراج عنه".
وتتحدث الزوجة عن حياتها مع أطفالها بعد الاعتقال، حيث تحاول جاهدة أن تلعب دور الأم والأب معا لأطفال لا يفقهون من الحياة سوى جانبا ورديا لا يدع الاحتلال له مكانا في حياة الفلسطينيين.
وتبين بأن المناظر الوحشية لاقتحام الجنود للمنزل ما زالت آثارها مستمرة على أطفالها حيث يعانون من نوبات بكاء مستمرة خاصة قبل النوم، كما يسألونها باستمرار عن والدهم وسبب اعتقاله وهي لا تعرف بماذا تجيب، حيث تصف هذه المهمة بالصعبة جدا لأنهم أطفال لا يفقهون هذه المشاهد القاسية.
وتحاول الأم أن تمرر لهم ما يمرون به بطريقة ألطف من الواقع الذي يفرضه الاحتلال، كما تحاول تخفيف ظروف الزيارات القاسية عليهم والتي يتعمد خلالها الجنود إذلال الأهالي.
وتختتم قائلة:" أحاول أن أرش السكر على الإجابات كلما سألني الأطفال ما يتعلق بوالدهم الأسير، ولكنه في النهاية واقع أليم علينا جميعا".