تعتبر الزيارة الطريقة الوحيدة التي يتمكن من خلالها الأسير رؤية عدد من أفراد أسرته المسموح لهم الزيارة، والاطمئنان عليهم والاستماع لأخبارهم ومعرفة المستجدات من خلالهم، وذلك في ظل حرمان الاحتلال للأسرى من التواصل بطرق أخرى وعلى رأسها الهواتف العمومية التي تتواجد في كل سجون العالم.
زيارة الأسرى في سجون الاحتلال لها طقوس خاصة لا يفهما سوى الأهل الذين يتحضرون منذ أيام قبل موعد الزيارة ويحزمون أغراضهم ويستعدون للسفر لساعات للقاء أبنائهم وينتقون الكلمات والأخبار التي سوف ينقلونها لأبنائهم خلال الزيارة.
ما يجري من تفاصيل خلال زيارة الأسير، من خلف ألواح زجاجية وعبر هواتف مراقبة من مخابرات الاحتلال، يجعل الأسير يعيش في تفاصيل خارج زنزانته وواقع سجنه وعزله، فهذه الدقائق حرية للأسير رغم القيود، وفترة نزهة للروح والخيال والتأمل.
بهية النتشة زوجة الأسير ماهر الهشلمون من الخليل، المحكوم بالمؤبدين بتهمة قتل مستوطن وإصابة آخرين، تروي تفاصيل الزيارة الأخيرة لزوجها في الأسر وتقول" صدمت من طلب زوجي الأسير "ماهر بأن أصف له الساحة الخارجية للسجن وهل السماء تشاهد بدون شبك وحواجز حديدية كما هي ساحة الفورة في السجن، وعندما قلت له أن الساحة واسعة والسماء بدون شبك مقوى، رد متنهدا:" نيالكم ".
وتضيف النتشة وهي تتذكر تفاصيل الزيارة" بالرغم من صعوبة الزيارة إلا أنها متنفس لنا ولهم، فالزيارة فيها أوجاع لا توصف من تفتيش وانتظار، إلا أنها لحظات يشعر فيها الأسير بحرية لمدة 45 دقيقة، فالكل يشعر أنهم بدون قيود بالرغم من وجودها".
أدق التفاصيل
وفى أول الزيارة يبدأ الأسير بالسؤال عن تفاصيل المنزل بعد اعتقاله الطويل ومنظر الحارة والشوارع داخل بلدته وتفاصيل حياة العائلة بشكل دقيق، والضحكات خلال الزيارة تغيظ السجان وتدخل السعادة إلى قلوبنا، فكل زيارة فيها لمسة وبصمة جديدة، فالأسير يسأل عن طبخة عن سهرة داخل البيت ولمة العيلة، والأسير يحتاج إلى أجوبة دقيقة وتتناول أدق التفاصيل، حتى يستطيع أن يعيش بخياله هذه التفاصيل، كأنها واقع يعيشه ولو مدة الزيارة القصيرة.
الضحكات داخل صالة الزيارة تغيظ السجانين الذين يصابون بالصدمة والذهول، فكل إجراءات الزيارة الأمنية لم تنل من نفسيات الأسرى وعائلاتهم وكأنها غير موجودة، ففي الزيارة قبل الاخيرة لزوجي ماهر من قبل شقيقاته، كانت الضحكات تعلو صالة الزيارة ومن يقف من السجانين في حالة استغراب وذهول، كيف يضحكون وهم في قيود وحواجز.
الزيارة المتنفس
بينما السيدة أمل نوفل زوجة الأسير موسى صوي من قلقيلية المحكوم بالسجن لمدة 55 شهراً اعتبرت الزيارة رئة نتنفس بها هواء الحرية لزوجي الأسير، واستطرت "طفلي سياف ومحمد يشعرون بأنهم قد عاشوا مع والدهم بالرغم من مدة الزيارة القصيرة جدا، وأنا أحرص على زيارته حتى يكون هناك تفاصيل جديدة أضيفها لحياة زوجي الأسير، وبعض التفاصيل مؤلمة مثل اقتحام منزلنا من قبل جيش الاحتلال والسؤال عنه بالرغم من أنه معتقل، ووفاة بعض الأقارب، وكذلك الحديث عن تفاصيل عائلية مثل الزواج الجديد أو الميلاد لأطفال جدد أو بناء بيت جديد وحتى تفاصيل مضحكة تدخل السرور على قلبه وحياته داخل الأسر".
نشرة أخبار العائلة
أما الفتاة حور كريمة الأسير رائد حوتري من قلقيلية المحكوم 23 مؤبدا تقول" الزيارة بالنسبة لي عدة أمور أولها نشرة أخبار لوالدي عن تفاصيل العائلة الدقيقة، سواء عن دراستنا أنا وشقيقي مقداد الذي دخل الجامعة، أو أخبار والدتي الممنوعة من الزيارة وتفاصيل دراستها للدكتوراة، حيث أنهت متطلبات الدراسة برنامج الدكتوراة من مواد دراسية وبقي مناقشة الرسالة، وكذلك تفاصيل حياة الأقارب من أخوال وأعمام، ومن ثم ما كتبته له من نثر، وتفاصيل جدتي والدة والدي التي لا تستطيع زيارته بسبب مرضها".
وتضيف" فكل هذه التفاصيل وغيرها اسردها وكأنني داخل ستوديو أخبار أنشر التفاصيل للمشاهدين والمستمعين ولكن جمهوري في هذه النشرة هو أبي تاج رأسي، فمن حقه علينا أن نحول الزيارة إلى رحلة نحو فضاء الحرية، فهي تضفي عليه وعلينا بصمة سعادة رغم انف السجان وإجراءاته العنصرية بحقه وحقنا، وحتى أننا نسخر من حكمه البالغ 2300 عام، ونطلق النكات على هذا الحكم الإفتراضي، الذي لا يمت للواقع بصلة، ويكون والدي مستمعا جيداً يبادلنا الابتسامات وكلمة نيالكم".
وهكذا يحاول الأسير أن يعيش الحياة الخارجية ولو لدقائق خلال الزيارة يخرج بها من قضبان السجان ومعاناة السجان، ويخلق لنفسه أجواء خاصة تشعر ذويه بالسعادة حتى يعودوا مبتسمين مطمئنين على أبنائهم الغائبين عنهم منذ سنوات.