في سنوات سابقة تغنى العالم بالمناضل نلسون مانديلا لأنه أمضى 28 عاماً في السجون من أجل حرية وطنه، واليوم نحن أمام مناضل وبطل من نوع آخر ولكنه لم يأخذ نصيبه من الشهرة كما حدث من مانديلا.
أربع عقود كاملة مرت على الأسير نائل صالح البرغوثي (62 عاماً) إبن بلدة كوبر في محافظة رام الله، تنقل خلالها في أكثر من 20 سجناً ومعتقلاً ليكون أقدم أسير سياسي في العالم، في زمن تغنى فيه أصحاب الاتفاقيات والمواثيق بأنهم حفظوا للإنسان كرامته وحقوقه.
اعتقل القائد نائل وهو في ريعان الشباب لم يتجاوز عمره 20 عاماً وذلك في الرابع من نيسان عام 1978، وصدر بحقه حكماً بالسجن المؤبد، قضى منها 34 عاماً متتالياً في سجون الاحتلال، عانى خلالها من ممارسات الاحتلال وقمعه وعنصريته، حيث عزل أكثر من مرة، حرم من الزيارة لسنوات، خاض خلالها عدة إضرابات، تتلمذ على يديه الآلاف من الأسرى الذين دخلوا السجون خلال تلك السنوات الطويلة.
34 عاماً لم تنل من عزيمته، ولم تفت في عضده، ولم يتنازل أو يتراجع قيد انملة أمام السجان، عاشها بشموخ وعزة وكرامة، وتحدى السجان أن يتحرر، وبالفعل كانت الحرية بعد هذه السنوات الطويلة في صفقة وفاء الاحرار في أكتوبر من العام 2011، ورأى أبو النور النور خارج الزنازين وغرف السجون وأطلق العنان لنظره للمرة الاولى منذ عشرات السنين بعيداً عن الجدران والاسلاك الشائكة.
تحرر نائل وتكحلت عينيه برؤية أحبائه وقد كبر الصغار ومات الكبار خلال السنوات ال 34 التي أمضاها في السجون، حيث كان والده قد توفى في أكتوبر من العام 2004، ولحقت به والدته في أكتوبر من العام 2005، ولكن حقه في أرضه لا يزال باقياً، ووطنه ينتظر إكمال مشوار العطاء رغم سنوات السجن القاسية.
تزوج أبو النور من الأسيرة المحررة إيمان نافع والتحق بجامعة القدس المفتوحة لدراسة التاريخ، إلا أن الاحتلال المجرم لم يمهله كثيراً ليعود إلى أيام السجن، فأعاد اعتقاله في يونيو من العام 2014 ضمن حملة واسعة استهدفت محرري صفقة وفاء الاحرار، وأصدرت بحقه محكمة عوفر حكماً بالسجن الفعلي لمدة عامين ونصف، ورغم ذلك كان يتمتع بمعنويات عالية وقوية.
بعد انتهاء فترة حكمه في نهاية العام 2016 رفض الاحتلال إطلاق سراحه بعد أن تقدمت النيابة العسكرية للاحتلال باستئناف على الحكم الذي صدر بحقه لمدة 30 شهراً، وطالبت بإعادة الحكم السابق للأسير البرغوثي وهو السجن المؤبد، والذي كان يقضيه قبل تحرره في صفقة وفاء الاحرار، حيث رضخت المحكمة لرغبة النيابة وأعادت الحكم السابق له كالعشرات من الأسرى المحررين الذين أعيد اعتقالهم مرة أخرى.
40 عاماً مرت على أبو النور ليست رقماً سهلاً أو بسيطاً كما يقول شقيقه المحرر عمر البرغوثي الذي أمضى بدوره 26 عاماً في السجون الاحتلال، مستطرداً بأن هذه السنوات ليست مجرد رقم يتداوله الساسة والمنظمات ووسائل الإعلام، هي فصول من المعاناة والألم والقهر والإهانة والإذلال والحرمان، هي قضية إنسان وتاريخ ورسالة غابت عن الحياة لأربعة عقود .
ويبقى استمرار اعتقال نائل البرغوثى لأربعين عاماً وصمة عار على جبين هذا العالم المتحضر الذي يدعي الإنسانية والأخلاق، حيث يقف عاجزاً عن إجبار الاحتلال على إطلاق سراحه مما يعني إنهياراً لتلك المنظومة المهترئة التي تحكم العالم .