المئات من الأسرى يُسحقون حتى اليوم تحت مقصلة الاعتقال الإداري، هذا الملف الذي تحوّل إلى لعنة تُطارد أعمارهم في كل دقيقة. لم يعد أهالي الأسرى يثقون بأي حكم جوهري، فمنذ إعلان حالة الطوارئ في السجون اختفى السقف الزمني لـ"عام أو عامين" الذي كان يقيّد هذا الاعتقال؛ اليوم تتخطى مدته ثلاثة أعوام، وربما خمسة، في مشهدٍ يسرق حياة الأسرى وحياة عائلاتهم على الضفة الأخرى من القيد.
في السابق كان أهالي الأسرى يملكون على الأقل حق الاطمئنان عبر الزيارات، أمّا اليوم فحتى هذا الحق سُحب منهم. ومع سياسة قطع رواتب الأسرى، لم تعد العديد من العائلات قادرة على دفع تكاليف زيارات المحامين، بينما أصبح الأمل الأخير — المتمثّل في الأسرى المحررين — هدفًا للعقاب أيضًا؛ إذ أكدت شهادات محررين أن الاحتلال يعتدي عليهم قبيل الإفراج ويسمّي الضرب الذي يطالهم "حلوان الترويحة"، محذرًا إياهم من نقل أي خبر عن زملائهم في السجون، في محاولة لفرض عزل جماعي كامل.
وفي سياق تسليط الضوء على ملف الاعتقال الإداري، يوثق مكتب إعلام الأسرى معاناة الأسير الشاب عبد الحق مازن خدرج (34 عامًا) من قلقيلية، المعتقل منذ 19/10/2023، والذي يواجه اعتقالًا إداريًا متجدّدًا لا ينتهي.
تقول زوجته في حديثها لمكتب إعلام الأسرى:
"منذ اعتقاله صدر بحقه الاعتقال الإداري خمس مرات، وفي كل مرة يُمدد ستة أشهر جديدة. وفي التمديد الأخير عقدت له محكمة تثبيت، وتم تقليص شهرين من القرار، لكنه لم يحصل على حكم جوهري حتى الآن."
وتضيف أن أخبار زوجها مقطوعة تمامًا منذ حرب الإبادة على غزة؛ لا زيارات، لا اتصالات، وحتى راتبه الذي كانت العائلة تعتمد عليه في متابعة زيارات المحامين جرى قطعه منذ شهر أيار. تقول:
"كل ما نعرفه عنه يأتي من أسرى محررين فقط… في بداية الحرب أصيب بمرض الجرب (السكابيوس) وبقي أشهرًا بلا علاج، وحين تعافى عاد المرض إليه مرة أخرى. لا أعرف إن كان قد تلقى العلاج حاليًا أم لا. قبل الاعتقال كان وزنه 80 كغم، وعَلِمنا أنه انخفض إلى 60 كغم."
وهذا الاعتقال ليس الأول في مسيرة عبد الحق؛ فهو الرابع منذ عام 2014، وقد بلغت مجموع سنوات اعتقاله حتى اليوم سبع سنوات ونصف. تقول زوجته بحزن ظاهر:
"تزوجنا قبل خمس سنوات، لكننا لم نعش معًا سوى عامين فقط. عند اعتقاله الأخير كان عمر ابننا حمزة عشرة أشهر، الآن أصبح عمره ثلاث سنوات. وابنتنا حور بلغت الخامسة… كلاهما محرومان من دفء الأب."
ولا تتوقف المعاناة عند عبد الحق وحده؛ فالعائلة تفتقد أيضًا شقيقيه:
- عبد الرزاق خدرج المعتقل إداريًا منذ 2/11/2023.
- وعبد الرحمن خدرج — شقيقه التوأم — المعتقل منذ 11/9/2023، وقد بلغت مجموع اعتقالاته أربع سنوات ونصف.
- ثلاثة أبناء خلف القضبان… وبيتٌ يواصل العدّ على زمنٍ يلتهم حياة كاملة بدل أن يلتهم أيامًا.